زاد الاردن الاخباري -
أحدث تقديم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي يوم أمس هزة أرضية في الحلبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
ورغم أن الاستقالة كانت منتظرة منذ وقت طويل من جانب كثيرين وكانت مطلوبة بشدة من جانب اليمين الإسرائيلي الحاكم، فإن توقيتها كان مفاجئا.
وليس صدفة أن تعلن الاستقالة بعد بدء تنفيذ وقف النار المتبادل، والشروع بعملية "السور الحديدي" في جنين ، كجزء من أهداف مستجدة للحرب أملتها اعتبارات ائتلافية يمينية، لم يكن هاليفي راضيا عنها.
وكان من أول نتائج هذه الهزة تدحرج كرة ثلج كبيرة، بدأت في قيادة الجيش بتقديم قائد الجبهة الجنوبية الجنرال يارون فينكلمان استقالته، ليتم الإعلان بعدها عن توقع تقديم كل من قائد سلاح الجو الجنرال تومر بار، وقائد سلاح البحرية الجنرال ديفيد ساعر استقالتيهما.
ومن المنتظر أنه بهذه الاستقالات وغيرها سوف تتغير صورة ووجهة الجيش بتغيير أغلبية، إن لم يكن كل أعضاء هيئة الأركان العامة.
وتسعى أطراف فاعلة في حكومة نتنياهو لإقالة رئيس الشاباك رونين بار أيضا ضمن خطة لتحميل مسؤولية فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول للقيادة العسكرية والأمنية وإبعاد الاتهام عن القيادة السياسية.
وكان هاليفي -وربما منذ يوم تعيينه على يد وزير الحرب حينها بيني غانتس- مكروها من جانب اليمين الطامح إلى رئيس أركان أكثر تجاوبا مع أطروحاته.
ومعروف أن نخبة الجيش وقيادته كانت في الماضي حكرا على تيار اليسار العمالي، حين كان أبناء الكيبوتسات هم طليعة الوحدات الخاصة.
لكن هذه النخبة صارت تتغير بعدما صارت المدارس الدينية العسكرية، وأبناء المستوطنات يحتلون مواقع عليا في الجيش ووحداته الخاصة.
وهذا ما خلق نوعا من التداخل حينا، والتنافر أحيانا، بين عقليّتي أبناء الجيش من المرحلتين. وفي الحرب تعاظم الصراع بين قيادة الجيش التي سعت لأن تكون مهنية وبين القيادة السياسية التي كانت لها أهداف مغايرة. وهذا ما قاد في النهاية إلى إقالة وزير الحرب السابق، يوآف غالانت وتعيين يسرائيل كاتس.
وكان الخلاف على أشده أيضا بين قيادة الجيش والحكومة في كل ما يتعلق بتجنيد الحريديم وسبل التعامل مع الوضع في الضفة الغربية. وخرج هذا الخلاف إلى العلن تارة مع نتنياهو شخصيا ، وتارة أخرى مع وزير حربه كاتس.
صدام
وتصادم كاتس أكثر من سواه، وباسم نتنياهو، مع هاليفي بشأن التعيينات القيادية في الجيش، مصرا على إنهاء التحقيقات الداخلية قبيل أي تعيين جوهري.
ومعلوم، أنه تم تعيين ضباط كبار للتحقيق في قضايا واسعة النطاق -منذ ليلة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما بدأ هجوم حماس على المستوطنات في الحصار-: التقييمات في مجال الدفاع، وتصورات استخدام القوة العسكرية، وطريقة عمل شعب الجيش المختلفة.
وليس صدفة أن هاليفي كان تطرق للتحقيقات وقت خلافه مع كاتس قائلا "في نهاية التحقيقات، سنتخذ أيضًا قرارات شخصية ونتحمل المسؤولية عن القادة، مني وممن هم دوني. ليس لدي أي نية لإهمال القرارات الشخصية عندما يتعلق الأمر بفشل 7 أكتوبر".
"إن الصورة أصبحت أكثر وضوحا ودقة. إن تعيين الضباط في المناصب ليس امتيازا ـ بل هو التزام قيادي وعملاني". "إن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يتحمل تجميد التعيينات".
المهم، أن هاليفي، أبلغ وزير الحرب يسرائيل كاتس في كتاب استقالته أنه سينهي مهام منصبه في 6 مارس/آذار 2025. وكتب هاليفي في استقالته أنه "في صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فشل الجيش الإسرائيلي تحت قيادتي في مهمته لحماية مواطني إسرائيل. لقد دفعت دولة إسرائيل ثمنًا باهظًا ومؤلمًا في الأرواح البشرية، وفي عمليات الاختطاف، وفي الإصابات الجسدية والنفسية".
"إن الأعمال البطولية الجريئة التي قام بها العديد من أفراد قوات الأمن وجنود الجيش الإسرائيلي، وقادته والمواطنين الشجعان لم تكن قادرة على منع الكارثة الخطيرة. إن مسؤوليتي عن الفشل الذريع ترافقني يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة ، وسوف يكون الأمر كذلك بقية حياتي".
وأضاف "إدراكًا لمسؤوليتي عن فشل الجيش في السابع من أكتوبر، وفي الوقت الذي حقق فيه الجيش إنجازات غير عادية، وأعاد قوة دولة إسرائيل وقدرتها على الردع، فإنني أطلب إنهاء منصبي.
لقد اتخذت هذا القرار منذ وقت طويل. والآن، عندما أصبحت قوات الجيش الإسرائيلية هي المسيطرة على جميع مسارح الحرب، وأصبح هناك اتفاق آخر لإعادة الرهائن قيد التنفيذ، فقد حان الوقت لذلك". وأنهى "في الوقت المتبقي لي في الخدمة سأستكمل التحقيقات وأحافظ على جاهزية الجيش لمواجهة التحديات الأمنية". وأكد "سأقوم بنقل قيادة الجيش بشكل نوعي وكامل إلى خليفتي".
وبعد وقت قصير من إعلان هاليفي، أبلغه قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال يارون فينكلمان، بطلبه إنهاء خدمته وتسريحه من الجيش. وفي رسالة مكتوبة بخط اليد، وجه فينكلمان طلبه إلى رئيس الأركان "السيد القائد، بناء على ما يمليه علي ضميري والقيم التي توجهني، قررت إنهاء دوري كقائد للمنطقة الجنوبية وخدمتي في الجيش الإسرائيلي. في السابع من أكتوبر، فشلت في الدفاع عن النقب الغربي وسكانه الأبطال الأعزاء. هذا الفشل محفور في داخلي إلى الأبد".
وكما سلف جاء قرار هاليفي بالاستقالة على خلفية تنفيذ صفقة التبادل، والتي ترمز في هذا الوقت إلى تحقيق أحد أهداف الحرب، بل وترمز إلى نهايتها في الواقع.
وحسب "يديعوت" وجد هاليفي في الصفقة الوقت المناسب لممارسة مسؤوليته التي أعلنها عدة مرات أثناء الحرب. وبحلول نهاية ولايته بعد حوالي شهر ونصف، سيستكمل هاليفي التحقيقات في الحرب، والتي سيتم إعلان نتائجها في الشهر المقبل أمام المستوى السياسي والجمهور.
وليس مستبعدا أن يختتم هاليفي ولايته بالدعوة علنا إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر على كافة المستويات، وليس فقط داخل الجيش. ومعروف أن هذه نقطة صدام متواصلة بين الجيش والمستوى السياسي حيث يحاول نتنياهو وحكومته إلقاء كل مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر على الجيش.
وتتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن التحقيقات المكثفة في صفوف الجيش، للوقوف على مواطن الضعف والخلل. وتشير إلى أن سلاح الجو، الذي يعتبر درة تاج الجيش الإسرائيلي، أخفق في اليوم الأول للحرب وأنه حاليا استوفى كل متطلبات الجاهزية التي كان مطلوبًا منه امتلاكها في السابع من أكتوبر، بل ويقول إنه قلص زمن الاستجابة إلى النصف.
ومع ذلك، تقول تحقيقات سلاح الجو أن دور السلاح يتحدد أساسا في القيادة العسكرية وفي شعبة العمليات وأن كل الجيش والدولة لم يكونا مستعدين لسيناريو اختراق الحدود في عشرات الأماكن دفعة واحدة.
ويعترفون "أن الفشل منهجي" كما أن تحقيقات الجيش تظهر أيضا أن أداء البحرية في صباح السابع من أكتوبر كان إشكاليا، حيث نجحت زوارق حماس في اختراق الدفاعات البحرية الإسرائيلية، بل إن زورقين تمكنا من الوصول إلى ساحل زيكيم.
وواضح أن استقالة هاليفي تمهد لاستقالات واسعة أخرى ليس فقط على مستوى القيادة العليا ، وإنما أيضا على مستويات أدنى وخصوصا في شعبة الاستخبارات، التي كان رئيسها أول من استقال من الجنرالات.
ومن المقرر أن يعلن وزير الحرب، يسرائيل كاتس خلال 10 أيام عن رئيس الأركان المقبل بالتشاور مع رئيس الحكومة. وأشار كاتس إلى أنه سيبدأ في الأيام المقبلة مقابلات المرشحين لمنصب رئيس الأركان المقبل، بعدما كان معروفا في السابق أن المرشح الأبرز هو اللواء إيال زامير.
وقال "من المهم للغاية اختيار المرشح الأكثر ملاءمة لقيادة الجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة الصعبة، وأعتزم إجراء عملية منظمة وسريعة لاختيار المرشح لمنصب رئيس الأركان المقبل".
وتدور التقديرات حول أن رئيس الأركان المقبل سيكون واحدا من 4 مرشحين، اثنان سبق وخدما في منصب نائب رئيس الأركان وهما الجنرالان إيال زامير وأمير برعام وقائدا الجبهة الشمالية أوري جوردين والجبهة الداخلية رافي ميلو.
وتتجه التقديرات نحو تغليب اسم إيال زامير نظرا لأنه يخدم حاليا مديرا عاما لوزارة الدفاع ولم يكن في الجيش وقت فشل 7 أكتوبر.
وأشار موقع "والا" إلى أنهم في وزارة الحرب الإسرائيلية يتحدثون أيضا عن تعيين الجنرال (احتياط) يتسحاق ترجمان لمنصب المدير العام لوزارة الدفاع أو نائب رئيس الأركان. كما تشير التقديرات إلى احتمال تعيين قائد المنطقة الشمالية، الجنرال أوري جوردين، نائبا لرئيس الأركان.
وجامل وزير الحرب كاتس، هاليفي معربا عن "تقديره" له ولمساهمته الطويلة في بناء وقيادة الجيش ودوره في الحرب الجارية. كما أن نتنياهو أعلن تقديره وشكره لهاليفي على خدمته الطويلة وقيادته للجيش في الحرب على 7 جبهات، والتي جلبت إنجازات عظيمة للدولة".
ولم يكن هذا مثلا موقف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي كان طالب علنا باستقالة هاليفي أو إقالته، وكذلك كان موقف الصهيونية الدينية واليمين عموما. ورحب وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير وحزبه باستقالة هاليفي مطالبين برئيس أركان هجومي وليس مدافعا.
لكن المعارضة حيت هاليفي على موقفه وهاجمت نتنياهو وائتلافه الحكومي. وقال زعيم المعارضة يائير لبيد "أحيي رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي"، وهاجم الائتلاف، "الآن فليتحملوا المسؤولية ويستقيلوا، رئيس الوزراء وحكومته الكارثية بأكملها". أما زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان فقال إنه "بعد استقالة رئيس الأركان، أدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبقية أعضاء مجلس الوزراء إلى تحمل المسؤولية والسير على خطاه".
وأشاد بيني غانتس بهاليفي قائلا "إنه قبل كل شيء محارب، وأحد أفضل أبناء وقادة هذه البلاد. لقد حارب من أجل وطنه وكرس حياته له طوال حياته. رئيس الأركان مسؤول عسكريا عن كارثة السابع من أكتوبر، وهو المسؤول أيضا عن التعافي الهائل الذي حققه الجيش الإسرائيلي".
ودعا غانتس نتنياهو حكومته إلى "الوفاء بمسؤولياتهم، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وإلى الدعوة إلى انتخابات من أجل تشكيل حكومة تستعيد ثقة الجمهور".
ولا ريب أن الحملة من أجل لجنة تحقيق رسمية سوف تتعاظم من الآن فصاعدا، كما أن الكثير في مكانة اليمين في إسرائيل سوف يعتمد على طريقته في التعامل مع الجيش الذي يعتبر داخليا "البقرة المقدسة".
ورغم أن الحديث حتى الآن يدور عن قيادة الجيش، فإن لذلك أثرا على علاقات إسرائيل مع المحيط وحتى علاقاتها مع الجيش الأميركي.