في إحدى زوايا المدينة، في حي ينبض بالحياة ويعج بالحكايات، كانت هناك عمارة أنيقة تتباهى بتصميمها العصري وشرفاتها الزجاجية التي تعكس ضوء الشمس.. ف ي أحد طوابقها كانت الشقة رقم 13، شقة صغيرة ذات باب معدني مصقول يبدو أنه شهد قصصًا أكثر مما يمكن لحيطانها أن تروي، لم أكن أتخيل يومًا أن حياتي ستنقلب رأسًا على عقب بسبب شقة.. حين انتقلت إلى الشقة، لم يكن ذلك عن رغبة بقدر ما كان نتيجة ظروف حياتي التي أجبرتني على تغيير مساري.. دخلت الشقة وأنا أحمل بداخلي مزيجًا من المشاعر المتضاربة، وفي قلبي خليط من التشاؤم والخوف من الرقم 13، الذي لطالما كان في ذهني مرتبطًا بالخرافات والحظ السيئ..
في أول ليلة، جلست على الأريكة التي وضعتها في زاوية الغرفة الواسعة.. كانت الإضاءة الناعمة تبث في المكان شعورًا بالهدوء، لكنني لم أستطع التخلص من تلك الأفكار السلبية التي سيطرت عليّ.. تساءلت وأنا أراقب تفاصيل السقف المزخرف: "هل يمكن أن تكون هذه الشقة بداية لنهاية لا أرغب بها؟" لكن سرعان ما بدأت تلك الأفكار تتبدد، فالأحداث التي تلت تلك الليلة كانت تحمل معها إشارات على أنني قد أكون أمام صفحة جديدة من حياتي..
خلال الأيام الأولى، وبينما كنت أرتب أغراضي الشخصية، عثرت على دفتر قديم احتفظت به منذ سنوات.. وقد نسيت أمره تماما.. كنت قد ملأته بعبارات تحفيزية وقصص نجاح كنت أجمعها عندما كنت أبحث عن الإلهام في الماضي.. كانت العبارة المكتوبة على غلافه تقول: "لا شيء مستحيل... البداية من هنا".. لا أعرف لماذا شعرت حينها أن تلك العبارة تخاطبني بشكل مباشر.. وقفت أمام الدفتر وأنا أسترجع تلك الطاقة التي كنت أشعر بها حينها، كان ذلك الدفتر نقطة تحول، وكأن وجوده في تلك اللحظة لم يكن صدفة... بدأت أراجع تلك العبارات وأتأملها.. وكأن الكلمات كانت رسالة من نفسي القديمة تحثني على استعادة ذلك الحماس.. فجأة، بدأت أنظر إلى الشقة بنظرة جديدة، وكأنها ليست مجرد مكان للسكن، بل فرصة لإعادة اكتشاف نفسي..
بدأت أضع خططًا صغيرة لتحسين حياتي، وحولت إحدى زوايا الشقة إلى مساحة عمل أنيقة.. بمرور الوقت، تحولت أعمالي إلى مشروع صغير جذب الانتباه... لم أكتفِ بتحقيق إنجازات مهنية، بل وجدت في الشقة مساحة للهدوء والتفكير، إذ بدأت أرى الحياة من زاوية مختلفة تمامًا.. ما كنت أظنه رقمًا مشؤومًا أصبح رمزًا للفرص التي تأتي في أوقات غير متوقعة.. أدركت أن الرقم 13 لا يحمل في ذاته أي حظ سيئ أو جيد، بل نحن من نمنحه معناه.. تحديت نفسي لأتخلص من الخوف والخرافات، ووجدت أن الحياة دائمًا تمنحنا ما نحتاجه لننمو، لكن أحيانًا يكون ذلك متخفيًا في صورة تحديات.. بعد سنوات من العيش في الشقة رقم 13، وقفت أمام بابها للمرة الأخيرة وأنا أودعها.. الآن، أصبحت أمتلك عملي الخاص، حياتي تغيرت، والطريق الذي كنت أظنه مظلمًا تحول إلى درب مليء بالنجاحات.. الشقة رقم 13 لم تكن مجرد مكان للإقامة، بل كانت نقطة تحول، منصة قادتني إلى إعادة بناء ذاتي، وعلمتني أن أواجه مخاوفي وأعيد بناء نفسي.. ستظل تلك الشقة في ذاكرتي دائمًا كرمز للبدايات الجديدة، التي قد تأتي من أماكن غير متوقعة.. ودليل على أن الأرقام ليست سوى رموز، نحن من نختار أن نحولها إلى فرص أو عقبات.