يرتبط شهر نيسان في الذاكرة الإنسانية بالربيع والأزهار وتفجر ينابيع الخير، وفي الذاكرة العربية والإسلامية بالشهداء والثورات، فثورات نيسان مثلت مواقف تحول بارزة في التاريخ الحديث للعراق والأحواز وعربستان وأفغانستان والسودان وفلسطين، أما في الأردن فنستذكر نيسان في أول شتوة فيه قائلين "شتوة نيسان تحيي الإنسان"، ولكن لشهر نيسان عندنا فوق ذلك نكهة و طعم آخر.
قبل واحد وعشرين عاما لم أكد أصدق عيني وأنا أشاهد شاشة التلفاز خلال زيارة لي إلى دولة الإمارات وقد بدت لنا وجوه أبناء العمومة غاضبة مزمجرة هادرة في مسيرات السلط ومادبا والطفيلة والكرك ومعان حيث كانت الشرارة و المنطلق لأحداث كان لها ما بعدها و عرفت في التاريخ السياسي الأردني باسم "هبة نيسان".
كانت المديونية قد أغرقتنا في بحر من الاستحقاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جعلت شعبا بأكمله يفقد نصف ما يملك خلال عشية وضحاها، وأذكر تماما كيف تحطم أول مشروع تجاري شاركت فيه بخسارة نصف رأس المال الذي لم يزد بالطبع عن بضع مئات من الدنانير استدنتها ثم احتسبتها أنا ودائني فدوة للحكومة وسياساتها الاقتصادية الحكيمة.
وأذكر تماما كيف ارتفعت أسعار كل شيء بدءا من أجرة سيارات السرفيس في معان حيث انطلقت الشرارة وانتهاء بسعر "لجن" الكاز الذي كانت رائحته تفوح عبقة من أكمام بيجامتي الصفراء العتيقة المهترئة.
وقد شكلت "هبة نيسان" في اعتقادي مرحلة تحول كبير في تاريخ الأردن عرفنا بعدها ولو لحين طعما مميزا للحرية والديمقراطية والبرلمان والانتخابات النزيهة والأحزاب الحقيقية والمهرجانات الجماهيرية والمسيرات الشعبية والصحافة الجريئة، وكنت أتوجس وقتها من كل ساخر مدع للحكمة يقول: "هذه جمعة مشمشية"!
واليوم.. ما أشبه اليوم بالبارحة! وبكل تفصيلاته الأليمة مع فارق بسيط، وهو أن حكومة الرفاعي الأب خفضت سعر صرف الدينار للأردنيين، أما حكومة الرفاعي الابن فقد رفعت سعر دماء الأردنيين.
المهندس هشام خريسات