حديث سنسمع ونرى أصداءه قريبا بمشيئة الرحمن، ذلك الذي وجّهه جلالة الملك عبدالله الثاني للداخل والخارج على حد سواء، أمس الأول الإثنين، من بيت الأردنيين جميعا الديوان الملكي الهاشمي العامر، من خلال لقاء سيدنا بمتقاعدي الجيش العربي المصطفوي، القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، العاملين دائما وإن تقاعدوا، الجاهزين أبدا وإن استراحوا «استراحة محارب»، الباقين دائما على «النّدهة» يلبون نداء القائد الأعلى، في جهوزية قتالية تامة.
كما في لقاءات سابقة، أكثر ما يكون أبو الحسين على سجيّته الكريمة عندما يكون بين الجيش والعشائر، تلمح في ثنايا الكلام، كلام الملوك والشيوخ معا، كلام الكبير الذي تبدو عليه أمارات الأسى والأسف ممن لا يعرفون حرمات «العيب» أو يقارفون معاصيه ورذائله «الشينة» عن سابق إصرار وترصد، سوء فهم منهم لمعاني التسامح والتجاوز والاحتواء في تدرج إيماني راسخ بين العفو الكريم والصفح الجميل..
لمن عاش الثقافتين المشرقية والغربية، الأمريكية تحديدا، يعرف مدى سوء عاقبة مكرري الإساءات، أو من طالت تجاوزاتهم وابتعدت إلى ما هو أبعد من حبل الودّ لا التراخي الذي بُذل فيما بينهم، علّ الأوّابين يرجعون قبل فوات الأوان، وانقطاع شعرة الود، وشُعَيْرة الحِلْم..
«مش عيب عليهم».. قالها ابن الحسين أبو الحسين بمرارة الأب والأخ قبل الملك والقائد، ترى في ثناياها سحائب المحبة والحكمة والرحمة، ما زالت الفرصة قائمة لمن أخطأ التقدير أو زاغت به أمور -معروفة لدينا كأردنيين في الوطن وربما أكثر في المهجر- زاغت أبصارهم إلى حد انعدام الرؤية لا ازدواجها!
قد يخدعنا فلان بمبررات وقد يطيّب خاطرنا علنتان باعتذار رويترز عن «خبرها المضلل»، لكن ورغما عن أنف الراضي والزعلان لن يصح إلا الصحيح، الخطأ صحيح مردود، لكن العيب منهم والعوار فيهم أيضا مرصود..
أيّ قارئ لتاريخ الأردن الحديث -مئوية ونيف- وأيّ دارس لما صدر من مذكرات الأردنيين -كبار البلد وكراسيها- وأبحاث المستشرقين عن «مملكة الزمان» في أردننا الحبيب، يعلم أن طول بال صاحب القرار وصناع القرار ينزل كما الصاعقة على رؤوس المسيئين قبل أن يرتدّ طَرْفُهُم.
ليس من حقي خاصة من على هذا المنبر الكريم الشفاف في العصف الذهني في قضايا وطنية منها ما هو شديد الخصوصية، ليس من حقي توقع ما سيلي العتاب الملكيّ. عتاب المحبّ إن صار علنيا، يعني الكثير الكثير لمن دأب نهجه كهاشمي، كابرا عن كابر، التقيد بأدب النصيحة من حيث كتمانها وخصوصيتها، وكذلك فيما يتبعها من الذكرى التي تنفع المؤمنين.
لكن في المقابل أجدني أقل تحرجا من القول إن المعنيين في الداخل والخارج، وربما أكثر في الداخل الموجّه والمدفوع من الخارج، قد استلموا -لا ريب- الرسالة، والكرة صارت في ملعبهم، إن ظنوا أن لأمثالهم ملاعب وحارات وأزقة وسراديب خفية عن عيون الأردن الساهرة.
الله أسأل أن يستحي مقترفو العيب من غير المحشومين على أنفسهم، فمن الواضح الجليّ أن الكيل قد طفح. كما اللاءات الملكية واضحة على مدى ربع قرن، كذلك مطلقها أكثر وأشد وضوحا، فلا يتذرّعنّ أحد بسوء ترجمة أو قراءة أو فهم أو استيعاب. قد انتهى زمن دعاة الاحتواء والتنوع سيّئ الذكر، مشبوه السمعة، حيث لا حُسن سير ولا سلوك من أصله، من قرعة راس «شلته» حتى لا أستخدم مفردة يساء إسقاطها على بعض الوجوه الساقطة وجوبا، لما أساءت فيه لأنفسها قبل أن تسيء للآخرين.
ربنا يصلح الحال ويهدينا أجمعين لما فيه خير البلاد والعباد كما يراه سيدنا.. الدعم، كما الانتماء والولاء، لا يكون إلا مطلقا، قبل «الثلاثاء العظيم» وبعده، وقبل اللقاء الخماسي والقمة العربية وبعدها!