في 27 فبراير الجاري، تستعد مصر لاستضافة قمة عربية طارئة لمناقشة "التطورات المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية"، في خطوة تعكس استمرار محورية القضية في المشهد العربي، رغم التغيرات العميقة التي طرأت على مواقف الحكومات والشعوب تجاهها ، سيما وأنه على مدار ثمانية عقود، كانت القمم العربية تُعقد تحت راية دعم القضية الفلسطينية، إلا أن التغيرات الجيوسياسية، والتحولات الداخلية في الدول العربية، أحدثت تباينات في أولويات الدول ومواقفها ، فمنذ بداية الألفية الثالثة، تزايد انخراط بعض الدول في مسار التطبيع، كما أثّرت الانقسامات الفلسطينية والصراعات الداخلية العربية على مركزية القضية ، وباتت الأجيال الشابة أكثر انشغالًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية، ما أدى إلى تغير المزاج الشعبي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي ، وحين نبحث في تاريخ القمم العربية ، نجده من الشعارات إلى التطبيع ، حيث كانت القمم العربية الأولى تُعقد بروح وحدة الصف والمواجهة، بدءًا من قمة 1946 التي أكدت على عروبة فلسطين، ثم قمة 1964 التي أنشأت قيادة عسكرية عربية موحدة لمواجهة إسرائيل ، وجاءت قمة الخرطوم 1967 بـ"اللاءات الثلاث" (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض)، لكنها لم تصمد طويلًا أمام التحولات السياسية ، و
مع مرور الزمن، بدأ الخطاب العربي يتحول تدريجيًا، ففي 1973 طُرح لأول مرة مفهوم السلام المشروط مع إسرائيل، وفي 1974 اعترفت القمة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني ، ثم جاءت قمة 1978 في بغداد لإدانة اتفاقية كامب ديفيد، ولكن بعد سنوات قليلة، شهدت قمة فاس 1982 طرح أول مبادرة عربية للسلام ، وفي التسعينيات، بعد اتفاقية أوسلو، تغيّرت المعادلة بالكامل، إذ أصبحت القمم تركز على دعم المسارات التفاوضية بدلًا من المواجهة، فكانت قمة 1996 الأولى بعد اتفاقيات السلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل ، وفي 2002، طرحت السعودية مبادرة السلام العربية، التي أصبحت الإطار الرسمي للموقف العربي ، إلا أن القمم غدت بين الطوارئ والجمود ، منذ 7 أكتوبر 2023، حيث شهدت المنطقة تصعيدًا غير مسبوق بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل، ما دفع جامعة الدول العربية لعقد ثلاث قمم، اثنتان منها طارئتان ، ورغم البيانات المنددة والتحذيرات، لم تحقق هذه القمم أي اختراق سياسي، بل كررت مواقف سابقة دون ترجمتها إلى خطوات عملية ، و
يُجمع العديد من المفكرين على أن القمم العربية ظلت محكومة بالطابع الرمزي أكثر من كونها آلية فعالة للتغيير ، فقد وصف المؤرخ إيان ج. بيكرتون القمم بأنها "محاولات لصياغة سياسة منسقة، لكن نتائجها كانت في معظم الأحيان رمزية أكثر من كونها جوهرية". فيما اعتبر محمد عابد الجابري أن "القمم العربية غالبًا ما تكون استعراضًا سياسيًا أكثر منها أداة حقيقية لتحقيق التكامل العربي" ، ومع كل قمة عربية جديدة، يُطرح التساؤل ذاته: هل ستظل القمم منصة للبيانات المتكررة، أم أنها ستشهد تحولًا نحو خطوات عملية تخدم القضية الفلسطينية؟!! وفي ظل التحولات الجذرية في المشهد السياسي العربي والدولي، قد تكون الإجابة أقرب إلى التكرار التاريخي، حيث تظل فلسطين في صدارة البيانات، لكنها غائبة عن الأولويات الفعلية ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .