ما كان لكاتب ساخر أو رسام كاريكاتير أن يفوّت من دون تعليق إعلان الحكومة أن وحدات الدم لم تعد مجّانية، وستباع بسعر 15 و40 ديناراً، وهل يمكن أن لا "تحبك" مع الكاتب أو الرسام بخبر كهذا؟! وأن لا تجود قريحته بأقذع التعليقات على الحكومة بيّاعة دم الشعب! وزير الصحّة والحق فاجأنا بالرد جادا أو مازحا فإن كانوا زايدوا عليه قيراطا فقد زايد عليهم اثنين. بيع الدم؟! أعوذ بالله من الشيطان ".. دم الأردنيين أغلى من أن يباع!" هكذا ردّ الوزير، وأضاف موضحا أنّ المبلغ يتمّ تقاضيه ببساطة على فحوصات الدمّ وليس الدمّ نفسه. أكان المبلغ على الفحوصات أم على كريات الدم الحمراء الثمينة أتطوع بالقول إنه تصويب صحيح وضروري. فإذا كان المستشفى الخاص يحسب على الفاتورة كل خيط وورقة فاين وشاشة غيار ولا شيء يهمل فهل المادّة الآتية من الدولة وحدها يجب أن تبقى مجّانية؟! وليس هناك عملية مهما كانت متواضعة تقلّ كلفتها عن مئات الدنانير، فهل تصبح المشكلة في ثمن وحدة الدمّ لتحتج المستشفيات الخاصّة حرصا على جيب المريض أو شركات التأمين؟! وحدات الدم على كل حال في مستشفيات الحكومة ولعموم الذين يغطيهم التأمين العام تبقى مجّانية، أمّا الذين يغطيهم التأمين الخاص فليس مفهوما لماذا يجب أن يدفع التأمين كل شيء ما عدا هذه الخدمة التي تقوم عليها جهة عامّة هي بنك الدم؟! وهي خدمة مكلفة بالطبع، فالدم المتبرع به يتمّ الحصول عليه من متبرعين أو من ذوي المريض من دون مقابل لكن بعد ذلك يجب معالجته وحفظه وتخزينه وهناك برادات ومواد وعبوات وأطباء وموظفون ومكاتب. والشيء الآخر المهم هو تجنب الهدر والتعامل مع الوحدات المعطاة بحرص فلا يطلب فوق الضرورة ولا تهمل إذا لم تستخدم ووجود سعر ينظم حركة الصادر والوارد حتى بالنسبة للطلب الذي يغطيه التأمين الصحي. إدارياً، ليس هناك حكمة في وجود شيء مجّاني، يجب أن يكون هناك سعر ولو كان مدفوعا بالكامل من نفس الجهة التي تقدم الخدمة وليس من المستهلك، لكن أيضا ليس هناك حكمة في أي تأمين أن يكون مغطّى بنسبة مائة بالمائة، يجب أن يكون هناك نسبة مهما كانت ضئيلة يدفعها متلقي الخدمة لغايات منع الهدر ورفع الكفاءة، مثلا يجب أن يكون هناك نسبة مهما كانت ضئيلة يدفعها المؤمن على كل عمل، كشفية طبيب أو إدخال أو عملية أو صرف دواء، ويمكن توفير هدر هائل في الدواء لو دفع المريض نسبة من ثمنه، ولو 1 % وليس مبلغا ثابتا لعلبة الريفانين، مثل المضاد الحيوي من أحدث جيل وأعلى كلفة. هذا الكلام ربما ليس شعبيا، لكنني على قناعة أن هذه هي مصلحة الجميع من أجل خدمة أفضل. جميل النمري
|