تشير التحقيقات الأمنية الإسرائيلية المتواصلة إلى أحد أهم أوجه الإخفاق التي برزت خلال الأحداث الأخيرة، وهو التراجع الحاد في القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية داخل قطاع غزة ، هذا الإخفاق لا يقتصر فقط على فشل التقنيات الحديثة في توفير معلومات دقيقة، بل يرتبط أيضًا بالصعوبات المتزايدة التي تواجهها الأجهزة الاستخبارية في تجنيد وتشغيل عملاء داخل القطاع ، وتعود التحديات الاستخبارية التي تواجهها إسرائيل في غزة إلى عدة عوامل، أبرزها التضييق المتزايد على تحركات المخابرات الإسرائيلية داخل القطاع، الأمر الذي أضعف قدرتها على تجنيد عملاء قادرين على رصد التحركات الاستثنائية التي قد تنذر بعمليات عسكرية كبيرة ، كما أدى تراجع الاعتماد على العنصر البشري لصالح التكنولوجيا إلى خلق فجوات استخبارية، حيث انخفض عدد المصادر البشرية بنسبة 50% خلال العقد الماضي، مما قلل من قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية على فهم ديناميكيات المقاومة الفلسطينية والتخطيط لمواجهتها ، ومع تصاعد التوترات، لجأت الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية إلى وسائل غير تقليدية في محاولات تجنيد عملاء جدد، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في غزة ، وقد تم رصد منصات إلكترونية تحمل أسماء زائفة تدّعي تقديم مساعدات مالية، وظائف، وحتى خدمات مجانية، لكنها في الواقع كانت أدوات لاستدراج الفلسطينيين وإسقاطهم في شبكات التجسس ، إلا أن الأجهزة الأمنية في غزة كانت بالمرصاد، حيث كشفت هذه المحاولات وأحبطت العديد منها ، وتشغيل العملاء في بيئة معقدة مثل غزة يُعد مهمة بالغة الصعوبة، حيث تلعب البنية العشائرية دورًا حاسمًا في كشف الاختراقات الأمنية، ما يجعل أي شخص يتعاون مع الاحتلال في موقف محفوف بالمخاطر ، كما أن المقاومة تفرض رقابة مشددة على الاتصالات، ما يجعل عمليات نقل المعلومات محفوفة بالمخاطر ، ولعل أبرز الأمثلة على محاولات التجسس التي تم إفشالها، تلك المتعلقة باستخدام أجهزة مزروعة في الأحذية أو شرائح إلكترونية لتمرير المعلومات ، و
إحدى الإشكاليات التي واجهتها إسرائيل خلال الأحداث الأخيرة تمثلت في فشل شبكاتها الاستخبارية في تقديم أي تحذيرات بشأن الهجوم، ما كشف وجود عمليات تضليل ناجحة نفذتها المقاومة ، هذا الفشل أدى إلى ما يُعرف بـ"العمى الاستخباري"، حيث لم يتمكن العملاء من توفير معلومات دقيقة حول التحضيرات العسكرية داخل غزة، ما جعل إسرائيل تفقد عنصر المبادرة ، وفي أعقاب هذا الإخفاق، بدأت إسرائيل في مراجعة استراتيجياتها، مع توجه متزايد نحو إعادة بناء شبكات استخبارية بشرية داخل غزة، بعد أن أدركت أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي لسد الفجوات المعلوماتية ، ولكن مع استمرار الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها المقاومة، يبدو أن هذه المهمة ستظل معقدة وشديدة الصعوبة، مما يجعل تحقيق اختراق استخباري فعّال في القطاع أمرًا بعيد المنال في المستقبل المنظور ، ويؤكد هذا الإخفاق الاستخباري الإسرائيلي أن تراجع قدرة الأجهزة الأمنية على اختراق غزة ليس مجرد حادث عرضي، بل نتيجة تراكمية لسنوات من السياسات الخاطئة، والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا على حساب المصادر البشرية ، ومع تزايد التحديات الأمنية، يبدو أن إسرائيل باتت تواجه معضلة استراتيجية في كيفية التعامل مع بيئة استخبارية أصبحت أكثر تعقيدًا وتشددًا من أي وقت مضى ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .