احتل تطوير القطاع العام أهمية بالغة وأولوية عالية عندما جاء في المحور الأول من الخطة التنفيذية للحكومة التي طرحت مؤخراً ولا عجب. فالقطاع العام لن يستطيع تنفيذ برامج المحاور الأخرى بنجاح إذا لم تتوفر له الكفاءة والرشاقة والفعالية، فهو الأداة.
الفلسفة العامة لبرنامج تطوير القطاع العام تدور حول تجميع المؤسسات العامة المتشابهة وتوحيدها. وهذا يعني أن المركزية هي الحل لأداة الحكم والإدارة العامة.
من ناحية أخرى فإن الأزمة الإدارية والمالية في البلديات الصغيرة سبق علاجها عن طريق التجميع والتوحيد في بلديات كبرى، وهذا يعني أن المركزية هي الحل في إدارة الحكم المحلي.
الميل إلى المركزية في هذا الشأن العام أو ذاك أمر مفهوم في مجتمع صغير نسبياً، وخاصة في حالة غياب الخبرة والكفاءة والقدرة في الوحدات الصغيرة وفي المناطق الطرفية.
هناك شبهة تعارض، إن لم يكن تناقض، بين التوجه للإصلاح عن طريق تطبيق المركزية على نطاق أجهزة الإدارة، وبين الدعوة إلى اللامركزية على نطاق المحافظات، وليس معروفاً ما هي الأزمة التي نحاول مواجهتها عن طريق اللامركزية.
ليس صحيحاً أن السلطة المركزية (الوزارة) لا تملك معلومات كافية عن الأقاليم خارج العاصمة، فدوائر الوزارات موجودة في المحافظات. والمعلومات الاجتماعية والاقتصادية متوفرة لمن يطلبها. وعند حسم القضايا السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فإن من الصعوبة بمكان التصرف بطرق مختلفة من مكان إلى آخر، ومتخذ القرار بحاجة لمعرفة الصورة العامة مما لا يتوفر للزعماء المحليين الذين يصلون إلى الزعامة بالوراثة ويتأثرون بالضغوط.
قبل التورط بسلق قانون اللامركزية على صعيد المحافظات، الذي سيحدث ارتباكاً لا ٌيعرف مداه، وسيكون من شأنه خلق بيروقراطيات كبيرة تحتاج لنفقات هائلة غير إنتاجية، أي مجرد رواتب ومكافآت ومقرات، علينا أن نفكر ملياً، فالتغيير سيكون كبيراً، وليس حتماً بالاتجاه الصحيح بل مجرد تجربة مرشحة للفشل ولكن ليس قبل دفع ثمن باهظ.
اللامركزية وجهة نظر إدارية تصل إلى حدها الأقصى فيما كان يسمى بالتسيير الذاتي، وهي فلسفة يمكن اعتناقها أو اعتناق عكسها شريطة توفر مبررات موضوعية لهذا الاتجاه أو ذاك.