في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم اليوم، تواجه العديد من الدول تحديات غير مسبوقة تهدد أمنها القومي واستقرارها الداخلي ، وتصاعد الفوضى، وتنامي نفوذ الجماعات الخارجة عن القانون، والتلاعب بمفاهيم الحرية بأساليب تضعف سيادة الدولة، كلها عوامل تدفع إلى إعادة النظر في أدوات حفظ النظام العام ، وفي هذا السياق، يبرز التساؤل الحتمي: هل يمكن أن تكون الأحكام العرفية حلاً عمليًا للحفاظ على استقرار المجتمعات؟!!
والأحكام العرفية هي تدابير استثنائية تلجأ إليها الدول في حالات الطوارئ القصوى، حيث تُمنح السلطات التنفيذية والعسكرية صلاحيات موسعة لضبط الأوضاع وحماية الأمن القومي من المخاطر الداخلية والخارجية ، ورغم التحفظات الحقوقية تجاه هذا النظام، إلا أن التجارب التاريخية أثبتت أن غياب الحزم في بعض الفترات قد يؤدي إلى انهيار الدول، أو على الأقل تقويض هيبتها أمام الجماعات الخارجة عن القانون ، لكن ما مبررات اللجوء إلى الأحكام العرفية ؟!! وللإجابة نقول :
1. مكافحة الإرهاب والتخريب الداخلي ، فتصاعد العمليات الإرهابية والجريمة المنظمة يفرض على الدولة أحيانًا استخدام صلاحيات استثنائية لمنع تفاقم التهديدات الأمنية قبل أن تتحول إلى كوارث يصعب السيطرة عليها.
2. التصدي لشبكات الفساد المتغلغلة ، فالفساد لم يعد مجرد اختلاس أو استغلال نفوذ، بل تحول إلى منظومات متكاملة تتحكم في الاقتصاد والسياسة ، وقد يكون من الضروري اللجوء إلى إجراءات غير تقليدية لتفكيك هذه الشبكات التي تعجز القوانين العادية عن مواجهتها.
3. حماية النسيج الاجتماعي من التفسخ والانحلال ، و
استغلال بعض الجهات لمفاهيم الحرية وحقوق الإنسان لنشر الفوضى، وإثارة الفتن الطائفية أو العرقية، يشكل خطرًا مباشرًا على السلم الأهلي ، وفي مثل هذه الحالات، يصبح من الضروري فرض إجراءات استثنائية تعيد ضبط إيقاع المجتمع.
4. مواجهة التدخلات الخارجية ، ففي عصر الحروب الهجينة، لم يعد الغزو العسكري الوسيلة الوحيدة لإسقاط الدول، بل أصبحت الحملات الإعلامية، وتلاعب القوى الخارجية بالرأي العام، وتمويل الجماعات التخريبية أدوات رئيسية لزعزعة الاستقرار ، وهنا، قد تحتاج الدولة إلى سلطات موسعة لمنع هذه المخططات من التغلغل في نسيجها الداخلي ، ورغم هذه الضرورات، فإن الأحكام العرفية تحمل في طياتها مخاطر استغلال السلطة في قمع المعارضين السياسيين والتضييق على الحريات العامة ، لذا، فإن أي خطوة نحو فرضها يجب أن تكون مدروسة بعناية، بحيث تحقق التوازن بين الضرورة الأمنية واحترام حقوق الإنسان ، وإذا لم تكن العودة الكاملة للأحكام العرفية خيارًا واقعيًا، فمن الممكن تبني نماذج وسطية تحقق الغاية الأمنية دون التفريط في الحريات الأساسية، مثل:
سنّ تشريعات طوارئ مؤقتة تمنح الدولة صلاحيات أوسع في مواجهة التهديدات، ضمن إطار قانوني واضح يضمن عدم تحولها إلى وسيلة دائمة للحكم الاستبدادي ، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتعزيز كفاءتها في مواجهة التحديات دون الحاجة إلى تعليق القوانين المدنية ، وتفعيل القضاء الاستثنائي للنظر في القضايا المرتبطة بالأمن القومي بعيدًا عن البيروقراطية المعتادة، مع ضمانات تمنع استغلاله سياسيًا .
وخلاصة القول: أن
أي نظام حكم يجب أن يحقق التوازن بين الحرية والأمن، لأن الأمن بدون حرية يؤدي إلى الاستبداد، والحرية المطلقة بدون أمن تؤدي إلى الفوضى ، وعليه، إذا فرضت الظروف اتخاذ إجراءات حازمة لضبط بعض الفئات التي تهدد استقرار المجتمع، فإن الدولة مطالبة باتخاذ قرارات جريئة تحافظ على تماسكها وقوتها، ولكن دون أن تتحول هذه الإجراءات إلى ذريعة دائمة لفرض الحكم الشمولي ... !!
خادم الإنسانية
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي