زاد الاردن الاخباري -
في لحظات الغضب نبحث عن مَخرج ينقدنا من شحناته، فتكثر طرق وأساليب التنفيس، كل حسب شخصيته وطباعه وتركيبته النفسية. فهل يجوز أن ننفّس عن غضبنا بالأساليب العنيفة؟
أم من الأفضل لنا الابتعاد عن الموقف الذي نكون فيه؟
قامت إحدى شركات الاتصالات في ولاية مين الأمريكية، بتوفير خط هاتفي من نوع خاص أطلقت عليه اسم "خط التنفيس". والغرض من هذا الخط المجاني، هو إطلاق الطاقة المكبوتة لدى مستخدميه المشحونين بمشاعر الغضب، والحنق، وتحويل هذه الانفعالات إلى طاقة إيجابية، من أجل استبدال مشاعر الغضب بمشاعر البهجة والسرور. فكيف نقوم بالتنفيس عن غضبنا، في ظل غياب خدمة كتلك في مجتمعاتنا؟ هل نصرخ ونكسر، ونشتم؟ أم نهرب من المواجهة؟ مفضلين إسقاط غضبنا في البحر، أو حتى كبته في أنفسنا مع ما يحمله ذلك من أضرار صحية ونفسية على حد سواء؟
على الفور
" نفّس عن غضبك كي ترتاح"، مبدأ ينصح به مهندس البترول سعيد احمد الشنطي (37 عاماً ومتزوج منذ 6 سنوات)، لافتاً إلى أن "التصريح عن الغضب، يُخرج صاحبه من حالة العصبية التي تتلبسه وتسيطر عليه، فيثلج صدره، ويهدئ من انفعالاته، ويعيده إلى ما كان عليه قبل لحظات الغضب". ويشبّه الشنطي الغضب في حالة كتمانه بالـ"حطب وعود الثقاب". ويقول: "لهذا، لا بد من إيجاد طرق ننفس بها عن مشاعر الغضب التي من المؤكد ستقتلنا لو أبقيناها داخلنا" حسب تعبيره.
ويؤكد سعيد، الذي يعترف بأنه رجل عصبي أنه "يحرر غضبه من لجامه في اللحظة نفسها التي تنتابه مشاعر الغضب، فردة الفعل تخرج وراء الفعل مباشرة". فإذا علق بزحمة سير عبّر عن غضبه بوضع يده على بوق السيارة لأكثر من دقيقة، وإذا تعمد أحدهم تجاوزه أثناء القيادة أسرع إلى فتح نافذة سيارته و"بهدلته"، فـ"المواجهة" في رأيه، "هي الطريقة المثلى للتنفيس عن الغضب"، مبرراً سياسته بالقول إن "الامتناع عن المواجهة يصب دائماً في مصلحة الطرف الذي أغضبنا، وبهذا نكون ضحية استفزازه وضحية خجلنا وصمتنا".
تحطيم
لا يرتاح الغاضب في عُرف محمد إبراهيم (23سنة، أعزب/مبرمج في شركة بترول) "إلا إذا أقدم على تحطيم أي شيء تطاله يده، ككأس من الماء أو صحن". ويدافع إبراهيم عن هذا السلوك، الذي يبدو في ظاهره عنيفاً بالقول: "التكسير في حالات الغضب مرحلة متقدمة من الوعي، لأنه يمنع الغاضب من "فش خلقه" في الطرف الآخر، فيتجاوز مرحلة الأخذ والرد والصراخ الذي قد يوصل إلى الضرب في كثير من الأحيان، وبهذا يكون التكسير هو ردة الفعل الإيجابية التي تحمي الطرفين من نشوب مشكلة حقيقية". ويعترف إبراهيم بأن تحطيم الأشياء في حالات غضبه يحوّله إلى شخص هادئ ومرتاح، لا يحمل أي مشاعر سلبية تجاه أحد. ويقول: "كأن شحنات الغضب تتفتت مع الزجاج حين يقع على الأرض، فيحصل الإنسان الغاضب على مزاج صاف بنسبة مئة في المئة". ويشير إلى أن "الغضب هو بمثابةً طاقة داخلية يبعثها الانفعال في الجسد الذي لا يهدأ إلا إذا خرجت تلك الطاقة، وتخلص من ثقلها، لهذا فما من جدوى من الوصول إلى راحة الأعصاب إلا بالتكسير والتحطيم".
صراخ
"الصراخ هو الجسر الذي يعبر به الغضب من داخلنا إلى الخارج" بهذا، يعبر سلطان النهدي (30سنة، موظف في الجمارك، متزوج من4 سنوات) عن طريقته في التنفيس عن غضبه. ويقول: "حين أغضب ألجأ إلى الصراخ الذي يشبه الماء البارد حين نسكبه على النار، فأخرج من توتري مستعيداً بذلك الصوت العالي هدوئي". وينطلق سلطان مبرراً اعتماده على الصراخ، فيقول: "لا يغضب المرء من تلقاء نفسه، فهناك دائماً مسبب يجعلنا نفقد أعصابنا، ونبحث عن شيء نصب عليه غضبنا". يضيف: "لهذا، أنا أواجه من أغضبني بالصراخ، معلناً استعدادي لإكمال شوط الخلاف إلى آخره حتى لا تبقى في جعبتي ولا ذرة غضب واحدة". أما أسباب الغضب "فقد لا تكون على الدوام بفعل أشخاص" كما يعلق سلطان، لافتاً إلى أنه حين يأتي السبب من موقف ما في الوظيفة مثلاً، يكون عليه أن يركب سيارته ويضغط على البنزين ويقود بأقصى سرعة ممكنة، حيث "تساعد القيادة السريعة" حسب تعبيره "على التنفيس عن الغضب وتغيير المزاج المعكر، وتهدئة الأعصاب، كما لو كان في الضغط على البنزين سر من أسرار الراحة النفسية".
دخان
"إن كان الغضب عبارة عن شحنات، فالتدخين هو السبيل الوحيد لإخراج تلك الشحنات من الجسم"، طريقة جديدة يضيفها محمد عبدالعزيز (27سنة، موظف في الجمارك، أعزب) على قائمة طرق التنفيس عن الغضب، فيقول: "التدخين يمنعني من المواجهة، وأنا أحرق بتلك السجائر كل الغيظ الذي يتملكني وأنا واقع تحت تأثيره"، مشيراً إلى أن عدد السجائر التي يدخنها بدافع التنفيس عن غضبه يصل إلى خمسة كمعدل وسطي كل ربع ساعة. فهو يمد يده بشكل أوتوماتيكي إلى علبة السجائر ويبدأ في التدخين سيجارة تلو الأخرى متعجلاً وضع نهاية لأعصابه المشدودة، ولا يكتفي محمد بالتدخين كَمخرج لغضبه، فها هو يؤكد أن "رفع صوت الراديو في السيارة" من أهم الطرق التي يلجأ إليها حين يغضب، فمن المهم بالنسبة إليه أن يسمع صوتاً غير صوت أنفاسه، وهي تأخذ الشهيق وتطلق الزفير بطريقة مستعجلة متوترة، وذات إيقاع عال، فيطغى صوت الراديو على كل شيء من حوله، لتبدأ أعصابه في الهدوء شيئاً فشيئاً.
الصيد
ويبدوا أن التنفيس عن الغضب لا يعكس في كل الحالات ميلاً إلى العنف، فها هو صالح الراشدي (22سنة، موظف حكومي، متزوج وعنده ولد)، يؤكد أن الصيد هو الحل الوحيد الذي يداوي به غضبه ويصل من خلاله إلى حالة الصفاء الذهني التي ينشدها كل رجل غضبان. والسبب كما يورده يتعلق بـ"حالة الانشغال التي يغرق فيها الصياد من أجل التقاط سمكة، فينسى ما كان عليه مراقبة البحر والصنارة التي تكون في بده" بحسب ما يقول. ويمضي صالح في الحديث عن تفاصيل فك الغضب من حول أعصابه كما يصفه، فيقول :"كنت أسمع عن تأثير الصيد في تهدئة الإنسان وتغيير مزاجه السيئ، فلم أصدق إلا حين جربته. لهذا، تبقى أدوات الصيد جاهزة دائماً في سيارتي توقعاً لأي نوبة غضب تنتابني من دون استئذان".
الصلاة ...
يستشهد مسلّم الراشدي (21سنة،جامعي في الكلية التقنية) بقول الرسول الكريم محمد (ص) في حديثه الشريف: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، مشيراً إلى أنه يجد في الصلاة منفذه الوحيد من أي حالة غضب يعيشها، فيقصد سجادة الصلاة وينوي التطهر من ذنب الغضب الذي يصفه بـ"الذنب الكبير". ويجد مسلم أن "التنفيس عن الغضب بالصراخ والشتائم يوقع الغاضب في مطبات العيب، والخروج عن الأصول، سواء أكان ذلك في المفردات التي يستعملها أم في الطريقة العدائية التي ينتهجها وهو يتبادل وخصمه ردود الفعل الشرسة، الأمر الذي يجب أن يدفع مسلََّم إلى الصلاة، التي تغسل الروح من كل حقد يتركه الغضب في النفس تجاه من كان السبب فيه".
خيارات أرقّ
والظاهر أن التنفيس عن الغضب في قانون النساء يتأرجح بين الصراخ حيناً و"فش الخلق" في طرف بريء هم الأبناء غالباً، ولكنه لا يصل إلى مرحلة تحطيم الأشياء وإطلاق الشتائم والقيادة المتهورة للسيارة، كما يحصل في غضب الرجال. تصف فاطمة سهيل (22سنة، جامعية، عازبة) علاقتها بالغضب بالعلاقة الإيجابية، وتقول: "الغاضب إنسان متهور من دون شك. لهذا، عليه أن يبتعد عن المكان الذي انفجر فيه غضبه"، مشيرة إلى أن "البحر يشكل مخرجاً مثالياً من حمل الغضب الثقيل الذي يأتي دائماً من الناس لا من أنفسنا". وتؤكد فاطمة أن مشواراً واحداً على الشاطئ يكفيها حتى تنسى غضبها ومن سبّبه، وهذا ما يجعلها ترفع شعار: "ابتعد عن الغضب وغنَّ له"، موضحة أن "هواء البحر ورؤية الناس يمارسون الرياضة، يهدئان من شحنات الغضب العالية ويبدلان من نظرة الغاضب إلى نفسه وإلى من كان سبباً في غضبه، فيذهب إلى البحر غاضباً ويعود منه في أحسن حال". ولا تعتبر فاطمة أن الهروب إلى البحر في حالة الغضب ضعف أو خوف من المواجهة "إنما طريقة راقية في معالجة المشكلة، وفن لا يتقنه كثيرون ممن يجدون في العصبية والصراخ وسيلتهم الوحيدة التي يبررون بها خروجهم عن رشدهم".
موسيقى
ويأتي الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، كخيار آخر عند الجنس اللطيف حين يغضب. وهذا ما تطرحه مي مطر (23سنة، جامعية، عازبة) متخذة من تجربتها مع الغضب دليلاً لوجهة نظرها. وإذ تتحدث مي عن علاقة الموسيقى بالخروج من حالة الغضب، وتقول: "للموسيقى يد تمسك وتشدك إلى عالم لا يعترف بالصوت العالي ولا بالصراخ أو المهاترات"، مؤكدة أنها تلجأ إلى عالم الموسيقى حين تغضب ليقينها من أنها ستجد فيه راحتها.
تضيف مريم في حديثها عن تأثير الموسيقى في الإنسان الغاضب، حيث تشير قائلة: "تحولنا الموسيقى إلى أناس ألطف مما نحن عليه في حقيقة الأمر. لهذا نتخلص من كل ما هو فظ وبشع في مزاجنا العصبي، لا بل ونندم على أننا وقعنا فريسة للغضب الذي يساوي بين العاقل والمجنون في أقل من دقيقة".
خلال الحمل
يلعب الوضع الاجتماعي للفتاة دوراً في طريقة تنفيسها عن الغضب. ففي حين تبدو الموسيقى وكأنها تشكل متنفساً للفتاة العازبة، يأتي الصراخ كمتنفس بالنسبة إلى بعض النساء المتزوجات، ولعل السبب في ذلك لا يحتاج إلى الكثير من البحث. تعترف إسراء عبدالفتاح (26سنة، متزوجة، ولديها ولدان) بأن "الصراخ" هو وسيلتها للتنفيس عن الغضب، فالحياة الزوجية ومسؤولياتها يضعانها تحت حمل يضغط على أعصابها، لهذا تجد في الصراخ دواء مخففاً لعصبيتها، وهي تشير إلى أنها تصرخ إذا كانت وحدها أو مع الأولاد، شرط أن تخرج منها تلك الطاقة الثقيلة. وتوضح أن "معدل الغضب والتنفيس عنه يبلغان ذروتهما في فترة الحمل، وهذا ما يحصل معي. ذلك أنني كنت حينها أغضب بشكل فظيع".
إسراء، التي يتحكم وجود زوجها في البيت في صراخها، كما تقول، تكشف عن طريقة أخرى تتبعها للتنفيس عن غضبها، وتقول :"حين أعرف أن الطريق أمام صراخي مغلق، ألجأ إلى البكاء حتى أهدئ من روعي، فالبكاء يخرجنا من مزاج الغضب، ويجعلنا مسالمين كأطفال لا يريدون في الدنيا إلا حضن أمهاتهم".
بكاء
التعبير عن الغضب في عُرف رزان محمد دسوقي (23سنة، متزوجة، طالبة تربية) مسألة صعبة لا تقوى عليها، لهذا تهرب منه إلى البكاء الذي تعرّفه بـ"المتنفس الوحيد" الذي يجعلها ترتاح من شحنات الغضب التي تنهكها، تاركة مدة بكائها تحت شعار "التنفيس عن الغضب" مفتوحة. لهذا تؤكد أنه ما من فترة ثابتة تهدئ أعصابها وتبردّها، فكلما كان سبب الغضب كبيراً طالت فترة البكاء والعكس.
وتفسر رزان لجوءها إلى البكاء بقولها: إن "الزواج برجل هادئ يمنع المرأة من الصراخ، على الرغم من أنها تجد في الصراخ متنفساً حقيقياً. لهذا يصبح البكاء الطريقة الوحيدة التي "تفش خلقها وتريحها من عفاريت الغضب الذي تتقافز أمامها".
راحة نفسية مشروطة
يتوقف الدكتور إيهاب مكي (طبيب نفسي) عند التعريف العلمي للغضب، فيقول :"الغضب هو إحساس أو عاطفة شعورية، تختلف حدتها من الضيق البسيط إلى الثورة الحادة، فتصاحبها تغيرات فسيولوجية وبيولوجية، مثل زيادة في ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة في إفراز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين"، موضحاً أن "الغضب لا يخرج على الحدود المألوفة والمتوقعة من الشخص، إلا إذا وصل إلى مرحلة من عدم التحكم في الأعصاب. فعندها، يصبح مدمراً وسبباً بمشاكل عديدة، سواء في العمل أم في العلاقات الإنسانية". ويجد الدكتور مكي في التنفيس عن الغضب " حالة صحية يفزع الإنسان من خلالها الضغوط الكثيرة التي يتعرض لها، فيخرج من داخله المشاعر الثورية الكامنة، وهذا ما يساعد على حماية الغاضب من التعرض لضغوط، وأمراض نفسية، وعضوية، تأتي من كتمان الغضب"، مشترطاً "أن يراعي التنفيس عن الغضب المعايير الاجتماعية والضوابط الأخلاقية التي لا تمس مشاعر الآخرين" حسب تعبيره. وعما إذا كان هناك أشخاص يصعب إغضابهم أكثر من غيرهم، يجيب الدكتور مكي، فيقول :"هناك خلايا في الدماغ مسؤولة عن التحكم عند الغضب وردود الفعل، فكلما كانت قوية يكون الإنسان أكثر تعقلاً وتحكماً في الانفعال، وكلما كانت ضعيفة يكون أكثر إثارة وانفعالاً، ناهيك عن أسلوب التربية والثقافة، والبيئة التي ينشأ الإنسان في محيطها، إضافة إلى جيناته الوراثية التي تؤثر في سلوكه وردود فعله". وهذا ما يفسر حسب تعليقه:"وجود أشخاص لا يعبرون عن غضبهم بشكل صريح وإن كانوا يتآكلون من الداخل من شدة الغضب، ووجود آخرين يميلون إلى قذف الأشياء واستخدام اليد أو التلفظ بمفردات غير لائقة، وآخرين يؤثرون الانسحاب والهروب من المواجهة".
غضبا المرأة والرجل "يأخذان مسارين مختلفين" كما يجد الدكتور مكي في سياق تحليله، فيقول: "تختلف طبيعة الرجل عن المرأة باختلاف نفسية كل منهما، حيث يتدخل الكثير من الظروف الجسدية والتغيرات الهرمونية في نفسية المرأة، فتجعلها أكثر حساسية للمواقف التي تتعرض لها. لهذا تجاهر المرأة بغضبها، وتميل إلى رفع صوتها ولكنها تمتاز بسرعة الرضا. والسر في ذلك، قدرة الكلمة الحلوة على تعديل مزاجها، على العكس من الرجل الذي لا يكون إرضاؤه سهلاً، كما لا يكون غضبه قصير العمر كغضب المرأة".
ويحدد الدكتور مكي مرحلة الغضب، التي يجب أن تقود إلى العيادة النفسية، بالقول: "عندما يفقد الشخص قدرته على التحكم في غضبه، ويصبح تأثير غضبه كبيراً وحاداً في علاقته بمحيطه، فيفقد اتزانه ويعبر عن غضبه بشكل عنيف وسلوك عدواني، سواء باللفظ أم استخدام اليد، عليه أن يسارع إلى الطبيب النفسي حتى يساعده على ضبط نفسه"، مشيراً إلى أن "العلاج في تلك الحالة يعتمد على أسباب الغضب، والحالة النفسية لكل مريض، وهو يشمل ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء، مثل اليوغا، وتدريب العقل على الإدراك والتفكير الجيد، لحل المشكلة بطريقة منطقية وحكيمة، إضافة إلى التدرب على مهارات التواصل مع الآخرين والتريث قبل إصدار الاحكام، وكلها خطوات تساعد على العلاج النفسي للحالة.
البلاغ