في مشهد يعكس احتدام الصراع الجيو-اقتصادي بين أكبر قوتين في العالم، وجهت الصين صباح الخميس الماضي تحذيرًا شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة، مطالبةً بإلغاء الرسوم الجمركية الجديدة فورًا، ومتوعدة باتخاذ إجراءات مضادة لحماية مصالحها ، ويأتي هذا التصعيد عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، في خطوة اعتبرها العديد من المراقبين تحولًا خطيرًا نحو الحمائية، قد يعيد تشكيل النظام التجاري العالمي برمته ، وقد أصدرت وزارة التجارة الصينية بيانًا رسميًا وصفت فيه القرار الأمريكي بأنه "يتجاهل التوازن الدقيق الذي تم تحقيقه عبر عقود من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف"، محذرةً من أن هذه السياسة لا تعكس فقط نهجًا أحادي الجانب، بل تهدد أيضًا استقرار الأسواق العالمية ،
وأضاف البيان:"لقد استفادت الولايات المتحدة نفسها من النظام التجاري القائم، والآن تحاول فرض قواعد جديدة تخدم مصالحها فقط ، والصين ترفض هذا النهج بشدة، وستتخذ إجراءات صارمة لحماية حقوقها الاقتصادية ،"
وهذا التصعيد يعكس استعداد بكين للرد بقوة، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة النظام الاقتصادي العالمي على امتصاص صدمات هذه الحرب التجارية التي تبدو وشيكة ، بعد الإعلان المفاجئ، الذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة التي تصيب عددًا كبيرًا من الشركاء التجاريين، أبرزها :
34% رسوم إضافية على الواردات الصينية، تضاف إلى 20% فرضت سابقًا، ليصل الإجمالي إلى 54% ، و 10% رسوم عامة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، تشمل دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك ، و25% رسوم على واردات كوريا الجنوبية واليابان، مما أثار استياءً واسعًا في آسيا ، و
46% رسوم على المنتجات الفيتنامية، في محاولة واضحة لكبح الصناعات الناشئة في جنوب شرق آسيا ، وهذه القرارات، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 9 أبريل 2025، تسببت في حالة من الذعر في الأسواق، حيث تسود مخاوف من اضطرابات كبرى في سلاسل التوريد وارتفاع تكلفة السلع الأساسية عالميًا ، و
على الصعيد الدولي، لاقت الإجراءات الأمريكية معارضة واسعة النطاق، حيث أصدرت المفوضية الأوروبية بيانًا شديد اللهجة، معتبرة أن "هذه الخطوة تمثل تراجعًا عن التزامات الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية" ،
وفي اليابان وكوريا الجنوبية، أعربت الحكومتان عن "قلقهما العميق"، داعيتين واشنطن إلى الحوار لتجنب تصعيد غير محسوب العواقب ، أما في الأسواق المالية، فقد انعكست هذه التوترات بوضوح على المؤشرات العالمية، حيث:
انهار مؤشر داو جونز بأكثر من 1,500 نقطة، وهو أكبر تراجع منذ الأزمة المالية عام 2008 ، وتراجع مؤشر ناسداك بنسبة 6.2%، متأثرًا بانخفاض أسهم شركات التكنولوجيا التي تعتمد على سلاسل التوريد الآسيوية ، وانخفضت أسعار النفط بنسبة 3.8%، وسط مخاوف من تباطؤ النمو العالمي ، بالتالي فإن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة تحمل في طياتها تهديدًا حقيقيًا للنظام الاقتصادي العالمي ، وهذا التصعيد قد يقود إلى تغييرات جذرية في خريطة التجارة الدولية، حيث قد تضطر بعض الدول إلى التحول إلى أسواق بديلة غير أمريكية ، وفي الوقت ذاته، قد تدفع هذه السياسات الانعزالية بعض الدول إلى تعزيز تحالفاتها الاقتصادية مع كيانات أخرى خارج تأثير واشنطن، مما يزيد من تعقيد التوازنات التجارية ، ومع تزايد هذه المخاطر، يبقى التحدي الأبرز هو مدى قدرة المجتمع الدولي على احتواء هذا التصعيد قبل أن يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي القائم وخلق فوضى في الأسواق العالمية ، وعلى الرغم من التصعيد الحاد، تبقى هناك فرص لحل دبلوماسي، حيث تشير بعض المصادر إلى أن مسؤولين من الطرفين بدأوا محادثات خلف الكواليس لتجنب الأسوأ ، ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة في ظل تمسك كل طرف بموقفه، مما يجعل المرحلة المقبلة مليئة بالتحديات والمخاطر ، و
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن احتواء هذا الصراع قبل أن يتحول إلى حرب تجارية شاملة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف لنا الإجابة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .