في السابع من أكتوبر 2023، دوّى الحدث كزلزال سياسي وأمني في الشرق الأوسط، حين نفذت حركة حماس عملية عسكرية غير مسبوقة داخل الأراضي الإسرائيلية، وُصفت بأنها الأعنف منذ عقود ، توالت بعدها الأحداث، وتدفقت الدماء، وتكسرت الأوهام حول واقع هش للردع، وسقطت معها أقنعة كثيرة ، في خضم هذا المشهد المعقد، ينبثق سؤال جوهري يفرض نفسه على كل باحث ومراقب ومواطن عربي: لصالح من كان السابع من أكتوبر؟! وقبل الإجابة على هذا السؤال الكبير والمصيري علينا
أولاً أن نعرف ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ بعيدًا عن السرد الميداني، فما جرى في السابع من أكتوبر لا يمكن فصله عن تراكمات تاريخية، من حصار خانق على غزة، إلى انسداد سياسي عميق، وانهيار للثقة في أي عملية سلام عادلة ، لكن الحدث، في توقيته وطبيعته، تجاوز كونه مجرد رد فعل، ليصبح نقطة تحول إقليمية ودولية تُعاد على أساسها صياغة التوازنات.
ثانيًا: الخاسر الأكبر.. غزة والفلسطينيون ، فرغم أن العملية نُفذت من قبل فصائل فلسطينية، إلا أن الثمن الأكبر دُفع في غزة، حيث بات المدنيون بين فكي الموت والجوع والشتات ، آلاف الشهداء، مئات الآلاف من النازحين، ودمار غير مسبوق في البنية التحتية ، وفي الداخل الفلسطيني، تصاعدت الهجمات العنصرية وعمليات التهجير القسري وعمليات الإعدام الميداني ، وهنا نتساءل : هل كانت غزة على استعداد فعلي لمثل هذه الكُلفة الباهظة؟! أم كانت وقودًا لصراعات أكبر منها؟! وهل تم اتخاذ القرار في عزلة عن الرؤية الوطنية الجامعة؟!
ثالثًا: الرابحون خلف الستار
الحكومة الإسرائيلية المتطرفة: حيث وجدت في الحدث ذريعة لتصعيد عدوانها الوحشي، وتبرير إجراءات غير قانونية ضد المدنيين تحت غطاء "الدفاع عن النفس" ، كما تمكن نتنياهو من كبح موجات المعارضة الداخلية، وتوحيد الصف الإسرائيلي خلف "حالة طوارئ" مستمرة، مما عزز من بقائه السياسي مؤقتًا ، وكذلك
قوى إقليمية ودولية: استغلت بعض الأنظمة العربية الانشغال بغزة لتشديد قبضتها الداخلية، أو لتحسين شروطها التفاوضية مع الغرب ، كما استخدمت القوى الدولية هذا الحدث لتبرير إرسال السلاح، أو تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، تحت مسمى "منع التوسع الإيراني" أو "ضبط الأمن الإقليمي" ، فضلاً عن
شركات السلاح والطاقة ، فقد كان هذا اليوم يومًا ذهبيًا لمافيا الحروب، من شركات تصنيع الأسلحة إلى المتاجرين بالأزمات، حيث ارتفعت أسهم الصناعات العسكرية، وتزايدت صفقات السلاح في المنطقة، في ظل سوق مفتوح للصراع.
رابعًا: خسارة استراتيجية للعرب جميعًا ، فما جرى لم يكن خسارة لغزة وحدها، بل كان خنجرًا في خاصرة الحلم العربي التحرري ، حيث تم تحييد القضية الفلسطينية عن محورها الأخلاقي والإنساني، وتم تصوير الفلسطيني كـ"مشكلة أمنية"، لا كضحية احتلال ، وتراجعت أصوات الدعم الشعبي العربي وسط حملات التشويه والتضليل الإعلامي ، أما الأنظمة العربية فقد تم تصويرها على أنها وقفت عاجزة، لدرجة أنها تتهم في العلن بأنها متواطئة على الرغم من براءتها مما حدث ، والخطاب الرسمي العربي بات باهتًا، يُراوح مكانه بين الإدانات الشكلية، والتماهي مع سرديات أمنية خارجية.
خامسًا: ما بعد السابع من أكتوبر ،خريطة دماء جديدة ، لا سيما وأن المنطقة تعيش اليوم في مرحلة إعادة تشكيل ، الحدود الجيوسياسية لم تعد تُرسم بالحبر بل بالدم ، وهناك من يسعى لتفكيك ما تبقى من النظام العربي التقليدي، وجرّ المنطقة إلى صراعات مذهبية وعرقية وديموغرافية ، نعم ،
حقيقة السابع من أكتوبر كان لحظة مفصلية ، فإما أن تكون بوابة لنهضة وعي عربي جديد، يعيد توجيه البوصلة نحو التحرر والسيادة والكرامة، أو أن يصبح فخًا تاريخيًا تُسقط فيه القضية الفلسطينية، ويتم تقزيمها إلى مجرد ملف أمني في أدراج القوى الكبرى ،
فحين ننظر إلى الحدث خارج الأوهام العاطفية، نرى أن السابع من أكتوبر لم يكن في صالح الفلسطينيين، ولا في صالح العرب، ولا حتى في صالح السلام. بل كان – على الأرجح – فخًا تاريخيًا وقع فيه الجميع، واستغلته قوى كثيرة لإعادة توزيع النفوذ، وترسيخ البؤس في بقعة جغرافية باتت مسرحًا دائمًا للدمار ، والسؤال الذي يجب أن يُطرح بجرأة: هل نملك الشجاعة الكافية لمراجعة الذات؟! وهل نستطيع أن نميز بين ما هو وطني، وما هو وظيفة في مشروع خارجي؟! نعود ونطرح السؤال المعلق بلا إجابة : لصالح من كان السابع من أكتوبر؟!
ربما سنحتاج سنين لنجيب بصدق، لكننا نعلم الآن أنه لم يكن لصالح الدم الفلسطيني ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .