أيها الجاثم على تلّ إربد .. كم من حضارات مرت عليك ورسّخَتْ عبر طيات ثراك شيئاً من ثقافاتها ..؟؟ وكم من زنودِ عبر التاريخ تركت بصمات أكفها على صفحات حِجارتك السوداء ..؟؟ وكم من أنينٍ و آهاتٍ والآمٍ دوّى صداها فضاء مساحاتك الصمّاء .. ؟؟ وكم من مظلومين وظلماء .. مجرمين و أبرياء .. علماء وأغبياء .. احتضنتهم ردهات حُجُراتك الظلماء ..؟؟
جميعهم كانوا يملأون بروحهم ردهات باحاتك الواسعة بأسوارها الشاهقة .. وكان لهم ذكريات في كل ركن من أركانك .. ذكريات جميلة أم مآسي ، ستضل ذكريات من زمانٍ ولى عهده .. وبعد أن كنت آهلاً بتلك الروح البشرية التي كانت تهز مضجع فظاءاتك .. امتلأت الآن بالعديد لشواهد ودلالات حجرية وفخارية والعديد العديد من اللقى الأثرية الصامته والتي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد .. بعد أن كنت تأوي بين دفئ عقودك الرعاة والجنود أثناء فصل الشتاء ، وأبان الحكم العثماني الذي يعود فضل البناء له عام \" 1886 \" م تحولت إلى قلعةٍ يستظل سنان باشا بين فنائها الواسع لتصبح المقر الجديد للحاكم العثماني أطلق عليها \" السرايا \" ..!!
ثم تحولت من قلعةٍ ودار حاكم ، إلى مركزٍ للشرطة والدرك ، وسجنا وحيدا في محافظة اربد يزج بين عقودك السجناء ممن تجاوزوا حدّ القانون ، للنساء نصيب منك كما للرجال .. يدونون على جدرانك الحجرية مدة محكومياتهم ..!!
وكوّن محافظة إربد وبما تتمتع به من تاريخ لثقافات متعددة ، كانت تفتقر لوجود متحف متخصص خارجاً عن حرم جامعة اليرموك ، تم إغلاق السرايا \" كمركزاً للدرك وسجناً لمحافظة اربد \" عام 1994 م ، ليصار إلى ترميمه وتحويله إلى متحف \" دار السرايا \" والتي استمرت أعمال الترميم فيه منذ عام 1995 م من قبل دائرة الآثار العامة حتى افتتاحه رسمياً عام 2007 م ، ليتمكن المجتمع المحلي والزائرين لمحافظة اربد التعرف على القيمة التاريخية لهذه المحافظة والثقافات التي مرت عليه أو استوطنت على ثراها..!!
ويضم المتحف بين جنباته العديد من اللّقى الأثرية كالأدوات والأواني الحجرية والفخارية والأواني المزخرفة والأختام والحلي والتماثيل ولوحات الفسيفساء استخدمها الإنسان في العصور القديمة تم العثور عليها من خلال تنقيبات أثرية قامت بها دائرة الآثار العامة أو البعثات الدولية في مواقع أثرية متعددة في محافظة اربد ، رتبت وبوبت حسب التسلسل الزمني للثقافات الحضارية ..!! وقد تم تخصيص قاعات خاصة بالتعدين والمنحوتات والفسيفساء وخزائن للأختام والحلي والزجاج والنقوش والكتابة المسمارية وكذلك أدوات الإنتاج الزراعي والمنزلي من مواقع متعددة عبارة عن قطع أثرية من فترة حاسمة في التطور الحضاري الأردني وتعتبر اهميتها على المستوى العالمي.
أما قاعة اربد خصصت من أجل تعريف الزائرين من خلال صور توضيحية لبيوت اربد القديمة وتاريخها والمواقع الأثرية الهامة في المحافظة .
هذا المتحف وبكل الذكريات التاريخية والمعاصرة إلى وقت قريب ، عصفت عليه حمى الجمود وقتل الروح التي كانت تسرح وتمرح في فضاءه .. تحول إلى كتل حجرية وفخارية وغيرها ، تحتاج إلى عناية مستمرة لإستدامة وجودها كشواهد دالة ودامغة لثقافات صالت وجالت على أرض و ثرى الأردن منها من مرّ مرور الكرام ومنها من استقر واستوطن عليه ، تحتاج الآن نوعاً من توفير الروح البشرية التي من الممكن أن تساهم باستمرارية وديمومة هذا المتحف ليبقى الشاهد الوحيد على تاريخ وحضارة محافظة اربد ..!! akoursalem@yahoo.com م . سالم أحمد عكور