كنتُ عند "بدر عليان" عندما جاءه خبر وفاة سبعة أشخاص من عائلة واحدة اختناقاً..،، كنّا نتكلّم بسخرية.. توقّف الكلام.. قال لي بدر: انهم جيراني..،، قلت: جيرانك جيرانك..؟ قال وهو يجكجك: تتذكر لما جيت عندي وركنت سيارتك على اليمين.. ركنتها عندهم أنت..،، يا الله.. إذن: عندما ركنتها قبل أسابيع كانت رائحة الموت تحوم هناك..،،.
ليست أول عائلة أردنية هذا الشتاء.. ففي أقل من ثلاثة أشهر: قضت كذا عائلة نحبها اختناقاً: وكأن الاختناق من الواقع المعيش يتحوّل في ليل بهيم إلى غاز سام أوكاز محترق: يسرقان أوكسجين الحياة ويسممان دم الوجود..،، لا أعرف لماذا عندما أسمع عن "مجازر عائلية قدرية" أشعر بمزيد من الاختناق.. ومزيد من الاضطراب ومزيد من الحنق على وضع أي عائلة تترك كل البيت الواسع وتقعد في غرفة واحدة: توفيراً لفاتورة آخر الشهر.. ملعون أبو الفاتورة.. وملعون أبو الفقر الذي يفرض على عائلات بأكملها اختيار الموت "اختناقاً" على فاتورة فيها "غلبة دين وقهر رجال"..،،،.
يا ترى.. ماذا كان آخر حديث بين العائلة..؟ هل وعد الأب أحد أطفاله بصحن فول مميز صباحاً ونام الطفل يحلم بفول بلا شطّة.. ولم يفق للآن.. والفول تبدّل مرات ومرات ولم يفق الطفل بعد..؟؟ لن أتخيّل أي شيء.. فقط شيء واحد سأتخيله.. أن العائلة اتفقت أن تخرج برحلة جماعية بعد انقضاء المنخفض.. وذهبت العائلة الرحلة قبل انقضاء المنخفض بقليل.. ذهبت رحلة ليس لها تجهيزات وليس فيها فواتير.. وليس بها أدنى مقومات "شم الهوا": لأنها بدأت بـ"شم الغاز" وانتهت ليس على افتراش الأرض: بل بافتراش تحت الأرض..،،،.
رحم الله كل المخنوقين بالفواتير.. والمختنقين بغاز وكاز التوفير.. ورحم الله أصحاب الحلم الصباحي بالافطار.. ويجيء ألف إفطار ولا يجيء الصباح،،.
abo_watan@yahoo.com