تشهد الفترة القادمة حزمة كبيرة من القرارات الاقتصادية التي سوف تتخذها الحكومة لتدعيم عجز الموازنة المزمن الذي تعانيه ، هذه القرارات تكتسب الصفة القطعية في أذهان السلطة الاقتصادية لدينا ، ولا أقول الفريق الاقتصادي لأن قراراتها ملزمة وغير قابلة للنقاش أو الدحض ولا مجال سوى القبول والتسليم بها كواقع .
هذه القرارات يجب أن ترتدي الصبغة الشعبية والتأييد العام لها طالما أنها تلامس معطيات وتفاصيل الحياة اليومية للأفراد ، و لا أقول إلغاءها بسبب استحالة ذلك ، وإنما يجب أن تبتعد في حيز مناسب عن تلك التفاصيل ، لذلك لم نجد لغاية الآن أن المؤسسات الضريبية قد قامت برسم خارطة للأولويات الاستهلاكية للمواطنين بالتعاون مع المسوحات التي تقوم بها دائرة الإحصاءات العامة ، وذلك بهدف تحديد مقدار الحساسية الضريبية لكل سلعة ، والتعرف على المهم والأهم والأكثر أهمية من بين تلك السلع ، وإن كانت جميعها الآن تصب في الخانة الضرورية ، ولكن يبدو أن المهمة منها قد لا تلامس حياة الإنسان كثيراً مثل استخدام الهاتف الخلوي ، أو استهلاك اللحوم ، والحلويات ، ومشتقات البترول ... الخ .
هذه السلع أصبحت من وجهة النظر الحكومية مدعاة لترف المواطن الأردني وأسعارها تقترب من مستويات قياسية تفوق الدول ذات القوة الشرائية المرتفعة ، وأدلل على ذلك من واقع الحال في السعودية مثلاً فقد وصل سعر المستهلك النهائي لكيلو اللحم النعيمي \" أي البلدي الأردني أو السوري وما شابه \" إلى أقل من 10 دولار (7 دنانير) مقارنة بنحو 11 دينار في الأردن مع فارق مستوى الجودة ، وهنا كيف يمكن لنا كاقتصاديين تفسير هذه المتناقضة السعرية في سلعة تعتبر مستوردة بالنسبة لسوق اللحوم السعودي ، وقس على ذلك أيضاَ .
القرارات الاقتصادية مهما كانت قاسية أو شديدة من حيث تأثيرها على الفئات الاجتماعية الفقيرة أو الضعيفة فيجب أن يتم اتخاذها بطريقة أكثر عقلانية ، وهنا يميز الاقتصاديين بين القرارات المعلنة التي تسمح برفع الأسعار حتى قبل إقرارها وربما نجد أن قرار الضريبة الخاصة على الجوال والبالغة (8%) دخل حيز التنفيذ منذ أكثر من أسبوعين مع العلم بأن يوم غد هو موعد تطبيق القرار . هذا القرار يحسب في غير صالح السياسة المالية فهي لم توجد آلية مسبقة لضبط الأسعار حالما تم الإعلان عن القرار ، كما أن الأثر المالي للقرار غير مجدي للخزينة فهو لا يتجاوز 15 مليون دينار أو ما نسبته 1% من العجز العام في الموازنة . أما القرارات المفاجئة ربما تكون أفضل حالاً من تلك المعلنة لأنها تؤجل استغلال التجار ضعاف النفوس لهذا المواطن .
هناك الكثير من القضايا الاقتصادية التي تحتاج إلى سياسة الشفافية والإفصاح والمكاشفة مع الشعب الذي هو بترول الحكومة ، وهذا يجب أن لا يكون فقط في أوقات العسر المالي الذي تعيشه الحكومة حالياً ، لرغبتها بلملمة جراحها المالية على حساب جيوب المواطن، وإنما أيضاً يجب أن يستمر في أوقات الرخاء المالي الذي عاشته الحكومات السابقة، الذي لم يكن موجود عندما كانت تدفع الرواتب الخيالية في أمانة عمان بآلاف الدنانير بحجة تشغيل الكفاءات ، وبعض الوزارات الأخرى ، وسياسة استبدال السيارات الفارهة والأثاث المكتبي لبعض الوزراء ، والسفر والمياومات وغيره .
كلنا نعلم أن شركة تويوتا أعلنت عن وجود خلل في بعض أنواع سياراتها الأمر كلفها استدعاء تلك السيارات يقال أنها وصلت إلى 8.5 مليون سيارة ، رغم أن ذلك قد يؤثر على سمعتها في المدى القصير ، ولكن ما يهم هو الحصول على ثقة المستهلك في المدى الطويل ، فهل يسير الفريق الاقتصادي على نهج شركة تويوتا طالما أن مخرجاتها تمس حياة الفرد ؟ .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com