أسئلة مفتوحة وأجوبة معلّقة
بقلم: د. آية عبدالله الأسمر
أحيانا كثيرة تحدث أمامنا حوادث وأحداث تستفزنا رغما عن جدران اللامبالاة التي حصّنا بها أنفسنا كمضادات للصدمات المتلاحقة التي تضربنا يوميا ساعة تلو الأخرى في محاولة منا لمجاراة عصر نشعر أنه دخيل على أنفاسنا وغريب عن قسمات وجوهنا، إلا أننا نقع أحيانا ضحية الاستفزاز المستمر لجمودنا ويستثيرنا أن الآخر يفترض فينا الغباء والجهل فنضطر مرغمين على الخروج عن دائرة الصمت معلنين رفضنا –وإن كان بلا جدوى-، ومعرفتنا –وإن كانت بلا فائدة-، وغضبنا –وإن كان مؤقتا-، ورغبتنا في التغيير –وإن كانت عاجزة ومشلولة-.
من هذه المستفزات التي تثير في الإنسان الرغبة في الضحك الممزوج بالبكاء الملفوف برقائق سميكة من الغضب والاشمئزاز والقهر أذكر هنا على سبيل المثال الأحداث التالية:
منذ مدة وجيزة شاهدت فيلما أمريكيا سمعت أنه أحرز عائدات تقدر بملايين الدولارات وأن مبيعات تذاكره تتصدر قائمة الأفلام الأمريكية على شبابيك السينما، وبالرغم من أنني لم أستمتع كثيرا بهذا الفيلم وهو فيلم \"آفاتار\" لخلوه من مضمون قصصي تاريخي أو واقعي أو رومانسي ولا يحمل أي رسالة أخلاقية أو مبدئية إلا أنني لا أنكر أن الطريقة التي تم بها تصوير الفيلم وإخراجه طريقة مبتكرة وغريبة وجذابة، على كل حال ما أدهشني في هذا الفيلم واستوقفني لفترة طويلة هو جملة قالها رئيس الجنود الأمريكان الذين ينوون غزو أرض مسالمة نائية لا علاقة لهم بها ولا تمثل بالنسبة لهم أي تهديد لا من قريب ولا من بعيد، إلا أن هذه الأرض تحتوي على معدن ثمين بكميات كبيرة يمكن أن توفر للولايات المتحدة مليارات الدولارات، وعندما حاول أهل الأرض وسكانها الأصليون استجماع قواهم وتوحيد صفوفهم للدفاع عن أرضهم التي ينوي الجنود الأمريكان تدميرها عن بكرة أبيها في سبيل الحصول على المعدن المزعوم والذي لا يعرف قيمته ولا يقدر ثمنه سكان الأرض البدائيون الرجعيون المتخلفون –كما كان يحلو لقائد الجنود أن يصفهم كمبرر قوي ومسوّغ شرعي لقتلهم وإبادتهم-، عندما استنهض السكان الأصليون القوى ورصوا الصفوف وأعدوا العدة لمواجهة المحتل الغاصب وصفهم رئيس القوات الأمريكية لجنوده المتحمسين بأنهم إرهابيين وقال بالحرف الواحد: \"سنحارب الإرهاب بالإرهاب\"، فما كان مني إلا أن نظرت إلى زوجي في عمق الظلام الدامس الضارب في قاعة السينما والمعشش في ذهن الجنرال الامريكي وأنا أقول: \" أي إرهاب هذا الذي يتحدث عنه؟ ومن الإرهابي هنا بالتحديد؟ هل الدفاع عن الأرض والعرض في وجه المحتل الغاشم غدا إرهابا؟ وهل الذود عن النفس والمال والولد في وجه الاعتداء السافر على شعب أعزل إلا من الحق يعد في القاموس الأمريكي إرهابا؟\".
بالطبع انتهى الفيلم على خلاف نهايات الواقع الأليمة فظهر الحق وزهق الباطل وانتصر الشعب وقتل الجندي الأمريكي، ولا يفوتني أن أنوّه هنا إلى أن الشعب ما كان لينتصر لولا أن ساعده وقاده جندي أمريكي بطل خرج عن أوامر رئيسه مع آخرين لم يتمكنوا بأخلاقهم العالية وبطولاتهم الفذة وشهامتهم الأصيلة ونخوتهم العريقة من الاستمرار في حرب السكان الأصليين وظلمهم.
ذكرني الفيلم بحرب فيتنام وأفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين والكوارث الكونية التي تقودها أمريكا ضد شعوب العالم تحت شعار \"محاربة الإرهاب\"، وفهمت الآن لماذا تصر أمريكا على مساندة إسرائيل بصورة غير محدودة وبشكل غير مشروط وبطريقة غير منطقية، يبدو أن لغة المصالح والأرقام والبترول والذهب والاستعمار والاستعباد والهيمنة هي لغة القاموس الأمريكي التي لم تفهمها أنظمتنا العربية حتى اليوم وهي تأمل في أن تكون أمريكا حليفا نزيها في مفاوضات القضية الفلسطينية!
تذكرت أيضا العديد من الأفلام التي ما أن تشاهد بدايتها حتى ترى بوضوح الأصابع الصهيونية التي تحبك بإحكام سرد القصة الخيالية المتعلقة بمحرقة اليهود، والظلم الذي وقع على يهود أوروبا في عهد هتلر والمذابح التي تعرض لها الشعب اليهودي من رجال ونساء وأطفال وشيوخ على يد هتلر وأعوانه، وتتمنى حينها لو كنت مخرجا سينمائيا حتى تقوم بإخراج عمل سينمائي ضخم يتحدث عن وحشية اليهود ومذابحهم وقناصيهم وموسادهم واغتيالاتهم ومجازرهم، إلا أنك تصحو من الحلم على خبر واقعي يقول بأن الفنان المصري الكبير \"عادل إمام\" قام بعمل فيلم عربي يتحدث فيه عن خطر الأنفاق التي تحفرها حركة \"حماس\" ما بين مصر وغزة على أمن مصر والوطن العربي!
ثم وحتى تزداد استغراقا في الكابوس الحقيقي المحدق بنا من كل حدب وصوب تخبرك حكوممة دبي أن هنالك أطرافا فلسطينية من السلطة الفلسطينية قد شاركت في اغتيال \"المبحوح\"، وأنت تعلم مسبقا أن الكوارث التي حلت بغزة الأعوام السابقة وما جرى فيها من اغتيالات لبعض قادة حركة الجهاد الإسلامي \"حماس\" كان بالاتفاق ما بين إسرائيل وبعض قادة السلطة الفلسطينية، وأن إسرائيل كانت تقصف وتقتل وتفتك بشعب غزة في الوقت الذي أمرت فيه القيادة المصرية بإقفال معبر رفح وحصار أهل غزة حتى لا ينجو أحد من ترسانة العدو الصهيوني، ومنعت عنهم قوافل الدواء والغذاء في الوقت التي واصلت فيه تصدير الغاز لإسرائيل!
وبعد هذه السلسلة الطويلة المؤلمة من المهازل المفجعة تطالعنا الأخبار ومنذ أيام على خبر قرار إسرائيل ضم الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة الآثار اليهودية، وسط تساؤل مثير للشفقة والاستفزاز من إذاعة الحقيقة الدولية حول ردود الفعل العربية وما إذا كنا سننتظر ضم المسجد الأقصى إلى الآثار اليهودية دون أن نحرك ساكنا، وهنا وجدتني أبتسم وأنا أسمع السؤال وأجيب بمنتهى التلقائية والعفوية والواقعية والصدق: \"ربما يأتي يوم تضم فيه إسرائيل الكعبة المشرفة إلى قائمة الآثار اليهودية ونحن مازلنا ننتظر من أمريكا أن تكون حليفا نزيها في قضايا الشرق الأوسط، أو ربما نكون مازلنا ملتبسين في أمر قانون الخلع أهو شرعي أم لا؟!؟\"