اتصل بي صديق ليسألني عن المجزرة التي يتعرض لها الصحافيون، فصدمت وجفلت وبادرته فوراً أي مجزرة؟!
أجاب على الفور الاستدعاءات القضائية، وحملة المطاردة والتوقيف والبحث في دفاتر التنفيذ القضائي عن كل ما يمكن أن يشكل إدانة ضد الإعلاميين.
تابعت بقلق تفاصيل ما يحدث مع الصحافيين، واستمعت لرواياتهم عما يجري، ودعمنا بشكل مطلق توفير مساعدة قانونية لهم عبر شبكة محامي "ميلاد"، واطلعت أيضاً على رد وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الدكتور نبيل الشريف.
هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يتعرض لها الصحافيون للضغوط تحت يافطات ومبررات مختلفة، وكلما حاول الإعلام أن يكون مستقلاً وأن يستخدم سلطته في الرقابة يجد من يتصدى له ويعمل على تحجيمه وإرهابه، وستظل هذه المعركة في سجال حتى تتجاوز ديمقراطيتنا سن الفطام ونؤمن بدور الإعلام فعلاً لا قولاً.
وبكل وضوح لا يحمل اللبس لا توجد لدينا معركة مع سلطة القضاء، وستظل في عيوننا ملاذ العدالة وعنوان الحقيقة، وسنبقى نكافح دفاعاً عن استقلاليتها لأننا ندافع عن كرامتنا واستقلاليتنا.
وعلينا الاعتراف بجرأة أن هناك محاولات دائمة من الحكومات لتوظيف وتسييس سلطة القضاء في معاركها، وتواجه دائماً بقضاة مستقلين لا يقبلون إلا سلطة القانون وضمائرهم.
الثغرة أو المدخل للمس باستقلال القضاء تحدث أحياناً من خلال التدخل بعمل النيابة العامة والتي تتبع بموجب القانون لوزارة العدل.
مراجعة ما حدث مع الصحافيين تستدعي من كل الداعمين لحرية الإعلام أن يتحركوا صفاً واحداً للمطالبة بتحقيق ما يلي:
أولاً: رفض إحالة قضايا الإعلام وحرية التعبير على محكمة أمن الدولة لأنها تفتقر لضمانات وأسس المحاكمات العادلة ولأنها قضاء استثنائي، والأصل الإحالة للقضاء النظامي، ويجب أن نتحرك فوراً لنزع اختصاص محكمة أمن الدولة في النظر بقضايا الصحافة والإعلام، وهذا يتطلب تعديلاً قانونياً سريعاً، وعلى الحكومة مراجعة خطاب التكليف الملكي بضرورة مراجعة وتعديل التشريعات التي تفرض قيوداً على حرية الإعلام.
ثانياً: رفض أية إجراءات ماسّة بكرامة الصحافيين خلال تنفيذ أوامر الجلب والاستدعاء للمثول أمام المدعين العامين، ونحن نثق بأن المدعين العامين يستطيعون بكل احترام طلب الإعلاميين لمراجعتهم والمثول أمامهم دونما حاجة لإرسال قوة أمنية لتفتيش مقرات الصحف أو المواقع الإلكترونية.
ثالثاً: دعوة التنفيذ القضائي للتوقف عن أية إجراءات تلقي بظلال من الشبهة على استهداف الصحافيين من خلال البحث في ملفاتهم عن أحكام تنفيذية مضى عليها سنوات ونُبشت الآن، ومطالبة الحكومة بالتوقف عن تصوير الأمر وكأنه فقط قضايا شيكات وقضايا حقوقية وأنها ليست قضايا حرية إعلام ونشر سواء في الصحف أو المواقع الإلكترونية، فالحقيقة غير ذلك، ومراجعة ما يقارب 35 قضية أعاد المدعي العام النظر فيها لتكييفها وإرسالها من جديد إلى محكمة البداية يؤكد ذلك.
رابعاً: أن يبدأ الإعلام بمساندة كل الهيئات الحقوقية للدعوة إلى ربط سلطة النيابة العامة بالمجلس القضائي لتحقيق استقلال ناجز للقضاء.
إن حرية الإعلام تتطلب تضحيات، وما يتعرض له الصحافيون جزء من ذلك، وعلى المجتمع أن يبقى يقظاً مسانداً لحرية الإعلام، فهو حق أجدر بالرعاية، وهو حق للمجتمع حتى وإن ضلت بعض المؤسسات الإعلامية الطريق.