تظلم هذه الحكومة نفسها كما تظلم المواطنين معها ان اعتقدت وتصرفت في معالجة ازمة الموازنة تحت الشعار الذي رفعته منذ تشكيلها وهو "عدم ترحيل المشكلات". وما يترتب على ذلك من اعتقاد بامكانية حلها جميعاً هذا العام او في العمر المفترض للحكومة, وهو كالعادة لا يتجاوز العامين في المعدل.
لم تكن حكومة نادر الذهبي السابقة هي المسؤولة عن الازمة المالية والاقتصادية العالمية, التي ترتب عليها انهيار قصور الاحلام عند معظم دول العالم, التي راهنت كثيراً على استقطاب الاستثمارات الاجنبية والازدهار غير المسبوق في التاريخ.. الخ. كما لم تكن مسؤولة عن تراجع المساعدات العربية التي حدثت بفعل الازمة.
عند التوقف امام الفترات التي تولت فيها مختلف الحكومات السابقة الولاية هناك انجازات الى جانب وجود مشكلات وقرارات خاطئة حذر منها مجلس النواب كما حذرت منها الصحافة وقطاعات الرأي العام المختلفة. واذكر; كلمات احد رؤساء الوزراء السابقين, خلال دعوته للصحافيين في مقر سكن الرئاسة. كيف انه تعهد بان حكومته لن ترحل المشكلات, وستواجهها بقرارات غير شعبية وشجاعة, وكان الموضوع المطروح انذاك مسألة رفع الدعم عن المحروقات التي كانت تثير(حساسية) سياسية وشعبية كلما اثيرت.
على اي حال, لم يكن ذلك الرئيس من رفع الدعم عن الطاقة انما من جاء بعده. وكما ان القول بان (قرار الرفع) سينهي العجز في الموازنة لم تثبت صحته امام حقائق اخرى, تدل على ان السياسات والادارات هي القضية وليس هذا البند او ذاك من بنود الموازنة وبالتالي اصبحت عملية الترحيل سياسة عابرة لجميع الحكومات بانتظار مواسم المساعدات العربية السخيّة.
اذا ارادت حكومة الرفاعي التمسك بشعارها (عدم الترحيل) فان هذا يعني زيادة الضرائب على المواطنين, كما يعني ضبط النفقات والتوقف عن ايجاد وظائف وفرص عمل في مجتمع يعاني من ارتفاع معدل البطالة. وهذا كله, سيعود على الحكومة ليس فقط بعدم الشعبية انما بعدم القدرة على تحقيق اي نجاح يقدم الى الشعب. ومرة اخرى مقياس النجاح عند الرأي العام, هو في مستوى غلاء المعيشة وارتفاع الدخل وخلق الوظائف.
أن (تَتعبّط) الحكومة جميع مشاكل الحكومات السابقة, وتُحَمّل المواطنين مزيدا من الضرائب المقرونة بعدم زيادة الرواتب وفقدان الوظائف فهذا ليس حلاً. انما بتوزيع حصاد المشاكل والقضايا المرّحلة اليها, على السنوات المقبلة, بولاية هذه الحكومة او بوجود غيرها. وبما يوفر لها اي (القطاع العام) فرصة توفير الاموال, من اجل الانفاق على المشاريع التي تخلق فرص العمل.
نحن جميعاً امام فرضيتين (1) إذا كانت الحكومات على مدى السنوات الـ 6 الاخيرة قد حققت انجازات كبيرة في الاستثمار والبناء, فهذه الانجازات كفيلة بتغطية العجز وذيوله للسنوات الخمس المقبلة من رصيد تلك الانجازات في الاقتصاد الوطني بمجمله.
(2) اما اذا كانت تلك الحكومات قد رحلت مشاكلها تباعاً الى الحكومة الحالية وان انجازاتها وهمية, فان ما هو بحاجة الى اعادة النظر هو نهج السياسات السابقة. ويكفي هذه الحكومة, عندئذ, ان تنجز اصلاح الادارة وتعدل مسار الاقتصاد وبنود الانفاق في الموازنة, اما قصة الاصرار على حل جميع المشكلات وعدم ترحيلها, فليس من العدل ان تلقى أعباؤها مرة واحدة على المواطنين, افراداً ومؤسسات لان زيادة الضرائب وصفة جيدة (لتنمية) البطالة وخفض معدل الاستهلاك والانفاق وبالتالي تكبيل الاقتصاد الوطني.