هل يوجد معارضة أردنية في الخارج ؟!
د. بسام البطوش
تاريخيا لم ينجب الأردن معارضته الخارجية ؛لأسباب تتعلق بطبيعة الحكم الهاشمي المتصالح مع ذاته ومع شعبه ،والقادر على التلاقي مع الأردنيين جميعا وترسيخ التعددية وحمايتها دستوريا وقانونيا وممارسة . وفي المحطات التي تمكن فيها التدخل الخارجي من إثارة القلاقل في المجال الأردني ،سرعان ما تمكنت آليات الحكمة والتسامح والحوار من استعادة التوافق الوطني العام .ولم يسجل في تاريخ الأردنيين - بحمد الله - حالة خروج على الوطن والدولة أو استعانة بالخارج . صحيح أن الاختراقات كانت تأتي عبر الأحزاب المتفرعة عن أحزاب وفصائل غير أردنية ،لكنها اختراقات بقدر ما أربكت الحياة السياسية والحزبية وأسهمت في تعطيلها فشلت في بناء حواجز الكراهية بين النظام والشعب ،وسرعان ما حاولت توطين نفسها في سياقات الميثاق الوطني (1990) لعلمها الأكيد بأن الأردنيين بمقدار انشغالاتهم العروبية معنيون أولا بعدم المساس بالأردن الوطن والدولة والهوية والمستقبل. حاول البعض وما زال التعاطي مع البيئة الأردنية بوصفها مجرد ساحة للعمل والتنظيم والتنظير والتعبئة خدمة لأجندات أو قضايا خارجية ،لكن البيئة الأردنية بقيت عصية على الاختراق ورافضة للتشكيل وفقا لأهواء الخارج . وأثبتت التركيبة المجتمعية الأردنية بتلاوينها ومكوناتها وعيها الأصيل فلم تنخرط في لعبة السياسة العربية القائمة على الاختراق والتوظيف والمناكفة وخدمة سياسات المحاور،وصمدت في التفافها حول المشروع الوطني – الهاشمي،وعضت على وعيها بالنواجذ،،فعبر الوطن زمن الانقلابات الخارجية بسلام .
وفي هذه اللحظة من الزمن العربي القلق ،يبرز العامل الخارجي ،فالثورات العربية لم تسلم من التدخل الخارجي،فبالرغم من أن الشرارات الأولى لها كانت مفاجئة وسريعة وناجمة عن سوء الأوضاع الداخلية وفشل الأنظمة ، إلا أن القوى الخارجية سرعان ما نجحت في لملمة أفكارها وصياغة مقاربات جديدة تحقق مصالحها،فكان التدخل الأجنبي واضحا في التطورات اللاحقة،والأصابع الصهيونية لم تغب،والعامل الاسرائيلي لا يجوز تناسيه ، أو مجرد الوقوع في وهم أن إسرائيل اكتفت بالجلوس في مقاعد النظارة والمحللين للتحولات العربية !!
أردنيا لا يمكننا أن نغرق في عسل الافتراضات الوردية ،وينبغي لحذرنا أن يكافئ حجم المؤامرات التي تستهدف وطننا وهويته ومستقبله ومنجزاته. و الأجندات الخارجية التي تستهدفنا ليست افتراضية ولا مجهولة ،كما أن الأصدقاء في الخارج سرعان ما تتحول بوصلة صداقاتهم وتحالفاتم وفقا لمصالحهم ،ولنا في تحولات المشهد العربي شواهد وعظات. والبيادق يمكن تصنيعها ولو على عجل ،والقابلية لدى البعض متوفرة لطلب النصرة والانخراط في تحالفات كونية . وللسفارات زوارها ومنهم من طار إلى الخارج محاولا صناعة ما يسمى المعارضة الأردنية في الخارج،وتصريحات بعضهم لوسائل الاعلام الصهيونية ،وما ينشر لهم فيها يطلعنا على حجم الرغبة في تخريب هذا الوطن وإيذائه ،وعدم ممانعة البعض في الانخراط في المشروع المعادي حتى ولو كان صهيونيا .
ما يسمى المعارضة الأردنية في الخارج لا نعرف لها رمزا ،ولا نجد لها خطابا سياسيا موحدا ،ولا نعلم لماذا هي خارجية ؟هل بحكم الهجرة ؟أم بحكم الدراسة؟ أم بحكم العمل ؟ لكن بالتأكيد ليس بحكم المطاردة والقمع في الوطن؛فليس من نهج الدولة الأردنية صناعة الأبطال الوهميين أو دفع الناس للهجرة بحثا عن متنفس للتعبير ؛ فالأردن هو بيكاديلي مفتوح على المدى، والعملية الاصلاحية مفتوحة ،وليس من محاذير تحوطها سوى حماية المصلحة الوطنية العليا،وهذه ليست مكان خلاف بين المخلصين . وخدمة الوطن من داخله متاحة أمام الجميع إلا من أبى ،ولا يأبى إلا موغل في التآمر أو راغب فيه .