تنادى أمس مجموعة من الزملاء المهندسين إلى توقيع عريضة يهددون فيها باللجوء إلى المدعي العام إذا لم يرفع مجلس نقابة المهندسين ملف أرض أم الدنانير إلى القضاء بشبهة فساد مالي لتباين الاجتهادات حول سعر شراء هذه الأرض قبل عدة سنوات.
ومهما كانت الحيثيات فرأينا واضح منذ البداية وإن أزعج البعض بأن هذه الملفات يجب أن تعالج داخل أروقة نقابة المهندسين وفي بيتهم الداخلي، وأن تسارع النقابة إلى احتواء أية قضية فساد مشابهة من خلال التحقيق فيها وعدم تجاهلها وإحالة المتورطين إن ثبت تورطهم إلى الجهة القانونية المختصة، وعدم السعي إلى إثارة البلبلة من قبل البعض واتهام الأشخاص دون دليل أو برهان لتحقيق أهداف شخصية أو انتخابية أو حزبية أو فئوية.
لقد قدمت نقابة المهندسين في العقدين الأخيرين خدمات عقارية متميزة للآلاف من أعضائها، ووفرت لهم عروضا للأراضي بأسعار تشجيعية و بالتقسيط طويل الأمد، وعملت على تأمين هذه المشاريع بالبنية التحتية، وتمكن هؤلاء المهندسون من امتلاك بيت العمر أو قطعة أرض ارتفعت قيمتها أضعافا مضاعفة ومثلت لهم ثروة قيمة من حيث لا يحتسبون.
وقد أشرف على شراء هذه المشاريع لجان إدارة صندوق التقاعد ولجان الأراضي التي يوصف أعضاؤها بالكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص، فهم فوق التشكيك أو اللمز بأمانتهم، منهم مدير عام دائرة الأراضي والمساحة والمدير العام الأسبق لمؤسسة الإسكان والتطوير الحضري والنقيب الأسبق للمقاولين العرب وثلة من الخبراء الناجحين في مجال الإسكان وتطوير العقارات، وهم فوق ذلك أسماء وطنية لامعة ورثت المجد كابرا عن كابر، فهذا والده كان وصيا على العرش، وذاك سليل دوحة وارفة من مؤسسي القضاء و العدالة الأردنية، وآخر ابن عائلة مرموقة أسست للحركة التجارية والصناعية والاقتصادية.
كان أصحاب القرار العقاري في نقابة المهندسين ولازلوا أبعد ما يكونون عن شبهة الاستفادة من قراراتهم النقابية في مصالحهم العقارية الشخصية، ذلك لأنهم شخصيات عامة تطوعوا لخدمة زملائهم فلم يثروا على حسابهم و لم يغيروا أو يتغيروا ولم يبدلوا تبديلا.
وإن كنت أنسى فلا أنسى ذلك الزميل المهندس الذي تولى قبل ستة عشر عاما مسؤولية الإشراف على إدارة أموال صندوق التقاعد، رأيته يوما على بوابة المستشفى الإسلامي وقد تعطلت مركبته العتيقة المتهالكة تحت المطر المنهمر، فساهمت في دفعها و"تعشيقها"، وتمثلت وقتها بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى كنوز كسرى حملت إليه فقال:"إن قوما أدوا هذا لأمناء".
إن عشرات مشاريع الأراضي الناجحة بامتياز التي قدمتها إدارات النقابة المتعاقبة لزملائها كان لا بد أن تذكر موقعي العريضة اليوم احتجاجا على أرض أم الدنانير بهذه القصة: وهي أن غلاما كان يحمل العنب هدية لجار سيده وينتظر حتى يأخذ آنيته، فطلب منه الجار أن يأكل مرة معه، فأكل الغلام كثيرا والجار ينظر إليه، ولما فطن الجار جامله وشاركه ومد يده لأكل حبة من العنب وإذا بها مرة حامضة كالحصرم فلفظها، وتعجب من الغلام كيف أكل دونما ضجر أو تأفف! فقال له الغلام:"لقد أكلنا معك الحلو مرات ومرات، أفلا نصبر على المر مرة؟!".
المهندس هشام خريسات