** من أسوأ وأخطر أنواع (الفساد) أن يمارس المسؤول (الإستعلاء) , ويوصد الأبواب في وجوه الآخرين , ويحيط نفسه بقلعة حجريّة تتشتّت دهاليزها ومخارجها , ويركب (رأسه) , ويصرّ على أنّ قراراته غير قابلة للتعديل أو النقض أو حتّى الإعتذار عنها حينما تتسبّب في (الويلات) والمصائب و(خراب) البيوت للمستهدفين بها او غير المستهدفين .
للأسف ثمّة مسؤولون (متورّطون) حتى الرّقاب (بالإستحجار) , ويحجبون أنفسهم عن المواطنين , ويقضون معظم أوقاتهم خلف الأبواب (المغلقة) وهم يديرون (أعمالهم) إمّا بالإسترضاء أو الإستقواء أو الإستحلاب أو بتوزيع الأوامر , والإستمتاع (بتجلّيات) المنافقين وماسحي الجوخ الّذين (يتسلّلون) عبر أرزاق ومتاعب المجتهدين والمخلصين ,
.. وهؤلاء المتورّطون بالإستعلاء أو الإحتجاب يعتقدون أنّ حجم الوطن لايتعدّى حجم (كراسيهم) , وأنّهم خلقوا من(طينة) أخرى ... لايجوز لأحد أن يسألهم أو يحاسبهم أو حتّى يخاطبهم أحيانا ... يتلذّذون بتوسّلات المساكين ودموعهم وآهاتهم , ويديرون ظهورهم للأخطاء و(الزلاّت) التي يرتكبونها بقصد أو بغير قصد ... و(يبرعون) إلى حدّ الإتقان في تفنيد (أخطائهم) أو نفيها وإنكارها, ويتهمون الآخرين بالإفتراء والتجنّي عليهم وربما يتهمونهم بالتآمر مع جهات مشبوهة أو إستهدافهم شخصيّا ... وحينما تقع الواقعة فإنّهم (يختبؤون) خلف كراسيهم ويمتنعون عن الإعتذار أو الإعتراف بالمسؤوليّة ... فيما تصدح من (هناك) بعض الأبواق التي تدافع عنهم , وتمتدحهم وتمجّدهم وتصوّرهم بأنهم (ملائكة) معصومون عن الخطأ والخطيئة .
وإن قلّ هؤلاء (المستعلون) أو كثروا ... وإن تعدّدت أهدافهم أو تنوّعت مراتبهم واصنافهم , فإنهم يشكّلون في كل الأحوال ظاهرة (خطيرة) تربك العمل العام , وتؤدّي إلى إنتشار الفساد بإمتداد افقي حتى ولو لم يشمل مثل هذا النوع من الفساد فسادا ماليا بشكل مباشر , فالإستعلاء والإحتجاب والتخبّط في اتخاذ القرارات والتصلّب فيها يخلق نوعا من (الفوضى) التي تكون اقرب الطرق للوقوع في الأخطاء والكوارث .
لايجوز لأحد أن أن (يستعلي) على الشعب ... ولايجوز لأحد أن يجعل من (كرسيه) وزرا ثقيلا على الوطن , ولايحق لأي مسؤول أو موظف مهما كان موقعه أن (يستكثر) على أبناء الوطن حقّهم في الحصول على المعلومة والحقيقة الناصعة وإبداء آرائهم ... هذا الحق الذي كفله لهم الدستور الأردني ... وكذلك فإنه لايجوز لأي مسؤول أن (يصطنع) الأبواب والحواجز والأسلاك الشائكة لتفصل بينه وبين المواطنين , فمن يريد أن يدير ظهره للآخرين فبيته أولى به , ومن تستهويه لعبة ( الفوقيّة) فليمارسها على قططه وكلابه ... فالوطن أكبر منه , وأكثر علوّا منه... عليه أن يرحل , أو يترجّل ليعلن (التوبة) أو الإعتذار ... فالإستقواء من فوق الكراسي (المتحرّكة) لا يصنع أبطالا وعظاما , والإستعلاء بالتزلّج أو الإنزلاق يؤدّي دائما إلى الغرق ... والنائم المستهتر إن فاته (الأوان) كبو جواده .
لا أعني هنا شخصا ما ... أو مسؤولا ما ... أو إسما ما ... ولكنّي أعني ظاهرة بدأت (تتمادى) ... وأخشى أن (تتجذّر) – لا سمح الله - ... فالوطن فوق كل الشبهات ... !!