منذ أن قررتْ أن تختفي في أرجاء هذه الأرض بظروف غامضة أنت تجهلها .. تركتك حينها ملفوظاً عائماً معلقاً في حياتك الملأى بكل شي سواها !
أصبحتَ تجد الراحة في أن تختلي بنفسك وحيداً في مكتبكَ تلوك صمتك دون أن تشعر بأدنى اهتمام أو بأدنى واجب يدفعك كي تختلط ببقية الزملاء .. أولئك الذي تتصادم بهم عن غير قصد خلال عبورك في احدى الممرات فترفع يدك وتلقي اعتذاراً مقتضباً دون أن ترفع بصرك عن الأرض وتكمل طريقك إلى مكان أنت تجهلة .. فتقرر أن تقفل عائداً والخيبة ترافقك مثل ظلكَ !
يا إلهي كم أنت حزينْ .. تحمل بداخلك ذنباً أنتَ لستَ صاحبه .. لكنك هكذا تشعر.. ذلك الشعور الذي يبقى يلازمك حتى وأنت نائم !
حتى في اجتماعاتكم الأسرية القليلة ، عندما تلتف عائلتك الكبيرة على وجبة الغذاء البسيطة التي كانت عبارة عن \"شوربة رز\" وقبل أن تعلو لغة المعالق والصحون وقبل أن تخرج عبارات التحذير من والدتك الطيبة وهي تقسم الخبز على أخوتك و تدعوهم أن يحذروا عند تناول الحساء كونه ما زال ساخناً ، قالت: إنّ السماء ممطرة وهذا يعني أن الدعاء في هذا الوقت مستجاب فليطلب كل منكم من الله دعوة يرغبها .. قال عبارتها وأخذت تراقب اخوتك الصغار بينماكانت تدعي انشغالها بالدعاء .. أما أنت أسندت ظهرك للحائط بعدما قمت بتعديل جلستك وضممت كفيك وأخذت تتمتم بخشوع ..
والدتك أخذت تداعب اختك الصغيرة وهي تلعب بظفائرها المعقودة على شكل \"جدولة\" وقالت لها بفمها الفرح :
- ماذا طلبتي من الله يا رحمه ؟
- رحمة وبصوتها الطفولي الذي يدغدع أذانك قالت أنها طلبت من الله أن تكبر بسرعة كي يتسنى لها أستخدام الموبايل و تجد من تتصل به ويتصل بها !!
وأكملت أمك بوجهها الطيب على بقية أخوتك تسألهم بمرح وتضحك مثل كامرأة قليلة الخبرة بالفرح عند سماعها أمنيات صغارها!
طبعاً لم ترغب والدتك في أن تسألك ، لذلك استثنتكَ .. فأنت لم تكن من ضمن الفئة التي ترغب في معرفة امنيته ، ربما بداخلك خصوصيات لا ترغب ببوحها .. والدتك تعلم ذلك الشيء تماماً!
لكنه فجأة استنفر هذا السؤال بداخلك وسألت نفسك بعمق عن امنيتك التي تمتمت بها ؟
لم تتغلب في العثور على الاجابة .. فقد كنت قد ادخرت تلك الامنية المستجابة .. \"اليها هي\" .. ذلك الكائن المضمور في حنايا الذاكرة وحنايا القلب .. التي هطلت صورتها في كفيك فجأة عندما هممتَ بالدعاء!..
لم تجد رغبة في أن تتم طعامك الذي لم تبدأه أصلاً ..أعدت الملعقة إلى صحنك دون أن تكترث لتلك الاستغاثات والنداءات التي تصرخ بها أحشاؤك .. تنهض وأنت تدعي الشبع وتهم متجهاً إلى غرفتك وأنت مطأطأ الرأس والقابلية والتفكير!
تتبعك والدتك بنظراتها دون أن تنبس ببنت شفة وتهمس بداخلها \" الولد اتغير .. الولد مالو إشي \"!
أنت تعلم في قرارة نفسك أنك تغيرت .. وأنك لم تعد كما كنت سابقاً مغلفاً بالجموح والعفوية .. وأن غيمة حزن عريضة هطلت فوق فرحك المعتق .. وكآبة سارية المفعول ما زالت تنخر في عظامك !
أنا أعلم ما يعترك .. أنت تُحمّل نفسك وزراً لم ترتكبه كونك لم تستطع أن تخرجها من ذاكرتك إلى الآن ... وما زالت عصية على النسيان .. الأمر الذي جعلك متوتراً يائساً .. وما زلت تراها على \"مد الذاكرة\" أمامك ترقد شامخة قوية شهية .. وبعيدة حد الحزن والقهر والهذيان !
أنت لن تستطيع أن تحدث فارقاً كبيرا أو تقدماً ملحوظاً أو فوزاً على حزنك .. مادمت تدعي أن المسألة .. مسألة وقت وتنتهي ! وها قد تراكمت سنة كاملة في حياتك وقفت جداراً بينك وذاكرتك وهي ! ولم يتغير شيء وأنت ما زلت بنفس الحالة والشعور وبنفس الريق المر الذي تشعر بمذاقه!
\"اسمعني\" :
لن تنجح محاولاتك مع ميادة الحناوي \"بنعمة النسيان\" ، وسيبقى هاني شاكر يلاحقك \"بنسيانك صعب أكيد\" وستنقطع أحبالك الصوتية وأنت تنادي مع عبدالله رويشد \"وين رايح \" ؟ ولن يرتد إليك سوى صدى صوتك ليعود ذابلاً حزيناً محملاً بصوت فيروز يهمس في أذنكَ \"لا تنده ما في حدا\" ..!!
حمزة مازن تفاحة
hamzeapple@yahoo.com