بداية أؤكد تعاطفي مع الطالب صالح الدويكات، وألمي الشديد لما أصابه، وأنَّ ما حدث معه خطأ كبير، يجب أن ينال المتسبب به ما يستحق، وأدعو الله جلت قدرته أن تكلل جهود معالجة صالح إلى أفضل نتيجة، وأن لا يخسر أياً من حبيبتيه، وأن يعين الله أسرته الكريمة وكل محبيه وأن يكرمهم بالشفاء التام لصالح وأن يعود إليهم صحيحاً معافى كما نحب ويحبون. فصالح أحد بناة المستقبل الذي لا يمكن أن يصنع دونه ودون سواه من الطلبة الذين نحب ونقدر، ونبني عليهم كل الآمال والطموحات، وما أصابه لن يحول إن شاء الله بينه وبين أن يكون مواطناً فاعلاً منتجاً، فالمحنة تبني ولا تهدم، والكسر يُجبر، والآلام تذهب، ولا يبقى إلا الحب والصفح والتسامح.
أما المعلم إياد رشدي، فهو ضحية مثل صالح سواء بسواء، فهما ضحيتان لنظام تربوي متهالك، لا يراعي للطالب والمعلم أية ظروف أو حاجات أو متطلبات أو ضرورات، نظام تربوي بُني في المكاتب الأنيقة المكيفة، على يد نفر لم يمارسوا التعليم يوماً ما، أو هربوا من التعليم ضعفاً وجبناً، بحثاً عن سبل الراحة، وتفرغوا للتنظير دون أن يرقبوا في معلم أو طالب إلاً ولا ذمة.
إنَّ نظامنا التربوي المترهل لم يهتم ببناء علاقة ودية إنسانية بين الطالب والمعلم، ولم يراعي أن يزرع أسس المحبة بين الطرفين، وأن يؤطر لعلاقة واضحة مبنية على الاحترام والتقدير المتبادلين، من خلال تدريب تربوي حقيقي تطبيقي على أيدي خبراء يعتد بعلمهم وتجربتهم في الميدان التربوي، وإنما اعتمد على أوامر وتعليمات فوقية تهبط بالمظلات، ليس لها أساس سليم، يحسبها تبني وهي تهدم، ويظنها صحيحة وهي سقيمة.
لا أقلل من أهمية ما حدث مع ابننا الغالي صالح دويكات، ولكن الموضوع ضُخّم بشكل مبالغ فيه، وحدث تجييش كبير ضد المعلم إياد خاصة والمعلمين عامة، وكأن المعلم إياد عدو مغتصب اقتحم حصوننا وقتل رجالنا ورمل نسائنا ويتم أطفالنا، حتى إنَّ وزير التربية هدد وتوعد ونصب نفسه قاضياً وجلاداً، وتم تصوير المعلم على أنه وحش تعمد قلع عين صالح. ولم يكلِّف معظم من كتب حول هذا الموضوع نفسه أن يبحث عن حقيقة وظروف ما حدث بمصداقية وواقعية وتغطية منصفة، بل اكتفوا بالمعلم مجرماً والطالب ضحية، لأننا في الغالب نقفز إلى النتائج دون بحث عن الأسباب والمسببات وجذور المشكلة، ولو فعلنا لوجدنا أننا جميعاً نشاطر المعلم الضحية، وكلنا شركاء في المسؤولية، ولكننا نحمي أنفسنا عندما نسارع بإلقاء كل اللوم على شخص واحد ونحمله وزر ما حدث.
هل سأل أي صحفي أو كاتب أو مسؤول ما الذي دفع صالح أن يترك مشارب المدرسة ويتوجه إلى كولر المعلمين؟ وهب أن إياد سمح لصالح وغيره أن يشرب وعلم بذلك مدير المدرسة ما الإجراء الذي سيقع على المعلم؟ ولو رأى مدير التربية والتعليم الطلبة يدخلون ويخرجون من غرفة المعلمين لشرب الماء، ما الوصف الذي سيطلقه على المعلمين والمدرسة، وما الإجراء والعقوبة التي تنتظرهم؟ وبداية هل سأل أي كاتب عن العلاقة التي كانت بين المعلم إياد والطالب صالح، وهل كانت بينهم ثارات سابقة أو خلافات مالية أو صراعات انتخابية وحزبية أو تضارب مصالح تجارية؟
لو تكرمت الجهات ذات العلاقة بتوفير ماء نظيف صالح للشرب للطلبة لما توجه الطلبة لشرب الماء من غرفة المعلمين الذي لم توفره بالطبع لهم المدرسة بل دفعوا ثمنه من جيوبهم لتوفير شربة ماء ترطب حلوقهم بعد عناء الحصص والدروس.
ولو تساهل المعلمون مع الطلبة وسمحوا لهم بالشرب لوجهت لهم الاستجوابات ومن ثم العقوبات، واتهموا بالتسيب وعدم القيام بواجبهم. فيقع المعلم بين نارين وخيارين أحلاهما مر.
ما حدث مع صالح يفترض أن يؤخذ في سياقه دون تضخيم أو تبسيط، ولا يعدو أن يكون قضاءً وقدراً تسبب به معلم لم يقصد أن يحدث ما حدث، ولا أظن عاقلاً يقول أن المعلم قصد ما حدث، وأنه كان في حسبانه أن يصيب الطالب بأي سوء. وهب أن الطالب عندما هم بالخروج تعثر بمقعد وارتطم بالخزانة فأصابه ما أصابه، هل يثور الإعلام ويتهم المدرسة بالإهمال وعدم توفير ظروف السلامة العامة والأمان للطلبة ويحملها المسؤولية، ومثل ذلك حوادث الدهس التي تحدث للطلبة أمام المدارس التي بنيت على تقاطعات خطرة دون أن يتهم أحد الوزارة ويحملها المسؤولية، مع أنها هي التي خططت وبنت المدرسة في هذا المكان دون مراعاة لمتطلبات السلامة العامة.
العدالة تتطلب أن يحاسب كل مسؤول عما حدث، بدءاً بالمعلم ومروراً بمدير المدرسة ومدير التربية وليس انتهاءً بوزير التربية وليتحمل كلا منهم مسؤولياته، ولا يكون المعلم ضحية خطأ مركب ساهم الجميع فيه بشكل أو آخر، فكما أنَّ النجاح جهد مشترك يتقاسمه المعلم مع مرؤوسيه، فالخطأ أيضاً نتاج سلوكات تربوية مشتركة لا تقتصر على المعلم وحده.
الحمد لله أنَّ صالح قد وجد عناية طبية فائقة، وعلى حساب الدولة، وهو بالتأكيد يستحقها وهذا أقل ما يقدم له في هذا الظرف العصيب، ومن حقه أن تتكفل الدولة بعلاجه حتى لو تطلب ذلك العلاج في الخارج، كما أنه حظي بمتابعة حثيثة وزيارات عديدة من وزير التربية ومدير التربية. وفي المقابل لو أنَّ معلماً أصابه ما أصاب صالح أو أخطر على يد طالب لما وجد أية عناية أو متابعة أو قلق رسمي وإعلامي، ويكفيه أن يُعالج على حساب التأمين الصحي في مستشفى حكومي، وحسبه –وقليلاً ما يحدث- أن يزوره موظف من مديريته رفعاً للعتب وذراً للرماد في العيون.