كان الاعتقاد المطلق بأن دبي بلد مفتوح، بأعلى درجة من درجات الحرية الشخصية، حتى أن «الموساد» اعتبر تصفية محمود المبحوح مهمة سهلة يمكن تدريب مجموعة أكثر من اثنين أو ثلاثة على هكذا عملية.. فجاء الرقم 26، وهو ليس الرقم الأخير، لمجموعة الاغتيال الصهيونية بمثابة «تدريب وتطعيم» للعملاء المجندين حديثاً. ففي عملية اغتيال خالد مشعل في عمان كان العدد محدوداً جداً. لأن الموساد أخذ الموضوع بجدية، فالأمن الأردني، أمن ذكي ومجهز!!.
لقد برهنت دبي ان المجتمع المفتوح ليس مجتمعاً سائباً، فقد استعمل جهازها الأمني ارفع أنواع التكنولوجيا بوضع كاميرات على باب الفندق، وفي قاعة الاستقبال، وفي الممرات الموصلة الى غرف الضيوف، بحيث جاء المؤتمر الصحفي لمدير الامن اشبه بمشاهدة فيلم من افلام هوليوود .. فقد كانت الكاميرا تنقل العميل الموسادي من باب الفندق الى كل مكان فيه.. وكان الفريق خلفان كالمخرج الذي يدلنا على وسائل تخفي العميل في ثياب الرياضة.. ومروره الى جانب زميله كما يمر ضيف الفندق الذي لا تعرفه.. ثم شهدنا التعقيد الأعقد بمتابعة بصمات المجرمين والحمض النووي وبقية وسائل الاستدلال الشرطي المعروفة!!.
ما نريد أن نصل اليه هنا ليس الحادث بحد ذاته، وإنما ضرورة مقتضيات الامن في اعلى مستوياتها لحماية المجتمع المفتوح. وإلاّ فإنه مجتمع سائب، وهذا ما نريد أن نقوله لكل الذين يتحدثون عن الحرية الاقتصادية والحرية الثقافية والحرية الحزبية.. فالحرية كلما تعاظمت اصبحت بحاجة إلى المزيد من الأمن، لحمايتها.. وإلا وصلنا إلى المجتمع السائب وليس إلى المجتمع الحر.
إن الاقتصاد الحر، يعني الاقتصاد المنضبط بأقسى قوانين الحماية الوطنية. لأن رأس المال متوحش ولا حدود لاندفاعه. ولعل أساس الكارثة المالية التي مرت وتمر بها الولايات المتحدة هو التسيّب في عمل البنوك رغم وجود شبكة قوانين حماية صارمة. لأن إدارة بوش كانت ككل إدارة جمهورية في خدمة المؤسسات الرابحة حتى لو كان الربح بتجاوز القانون!!.
والعمل الحزبي الحر هو الآخر تتوازى فيه مستويات الحرية بمستويات الضوابط الأمنية، فلا حرية خارج رقابة المجتمع، وسطوة القانون،... وإلاّ فإن البلد يصبح غابة لا أمن فيها!!.
لقد أثبتت الدولة في دبي، وفي أكثر من مناسبة أنها حريصة على الحرية حرصها على الأمن. ففي عالم تلعب فيه أجهزة المخابرات والتصفيات والقتل، لا مجال للفهم الطفولي للحرية. فالتفريط في القانون وفرض احترامه يوصل إلى قتل محمود المبحوح. فلا توجد حركات سياسية في العالم حل فيها الاغتيال كحركات التحرر الفلسطيني. فالأسماء تملأ صفحات وصفحات. والسبب هو حرية الحركة دون الأمن المطلوب!!.