لم يكن أمام المناضل الوطني، وأحد أبزر مؤسسي حركة حماس، د. حسن يوسف، إلاّ أن يتبرأ من ابنه مصعب (جوزيف لاحقاً) على الملأ، بعد اعترافات الأخير بعمالته للشاباك الإسرائيلي، ومساهمته (من خلال المعلومات) باستشهاد عدد من الفلسطينيين واعتقالهم، بل وإلقاء القبض على والده.
ثمة جانب إنساني لا يمكن المرور عليه بسهولة. فالدكتور حسن يوسف، دفع ثمن جهاده المشرّف والبطولي سنواتٍ طويلةٍ من عمره في الاعتقال والإيذاء والتعذيب. وها هو اليوم يدفع ثمناً أغلى من ذلك، بابنه الأكبر، الذي نجح الشاباك في اصطياده فتىً غضّاً طريّاً ابن سبعة عشر عاماً، وابتزازه وتحويله إلى فريسة للاحتلال ضحيّةً له، وجلاداً لأبناء شعبه.
هذا الثمن أكثر قسوةً ومرارةً على الأب المناضل من كل سنوات عمره في الزنازين والمعتقل، ويعكس لحظة إنسانية مأساوية، وامتحانا شديدا له، يدفعنا جميعاً للتعاطف معه ودعوته إلى التصلّب والثبات. وإذا كان قد فقد ابناً فإنّ له آلاف الأبناء الذين يقدّرون جهاده ودوره في مواجهة الاحتلال والظلم والعدوان، ولن يهزّ ذلك شيئاً من صورته الناصعة، بل سيزيدها شرفاً وكرامةً.
مصعب، بدوره، حالة تستحق الدراسة والتفكير مليّاً. فهذا الفتى الذي استطاع الشاباك الوصول إليه مبكّراً، واكتشاف مواطن الضعف والخلل في شخصيته، فخلقوا منه إنساناً هشّاً، انقلبت موازينه تماماً، فلم يرَ آلاف الأطفال الأبرياء والمدنيين والنساء يُقتلون وتُحرق أضلُعهم في غزة بعدوان همجي صارخ، بينما يتعاطف مع جندي صهيوني أسير! فتلك الدرجة بمثابة حالة مَرَضيّة، واختلال نفسيّ كبير.
المسؤول عن ذلك، بلا أدنى ذرّةِ تردُّدٍ، هو الاحتلال واستخدامُه أساليبَ وحشِيّةً، لا إنسانية، في الإسقاط والابتزاز، وهو ما لا تتحمّله حركة حماس، ولا أيّ من الفصائل التي تحدث لديها اختراقات أمنية مشابهة، كما حصل قبل سنوات طويلة مع حركة أخرى، وتمّ اكتشاف عملاء في قلب الجهاز العسكري لها، بعد أن أٌسقطوا جنسياً، فتحوّلوا إلى أداة صمّاء للاحتلال.
لكن ما تتحمله حماس، وأخواتها من الحركات الفلسطينية، هو التسرّع في إطلاق الأحكام وتنفيذها ضد كل من له شبهة علاقة بالاحتلال، كما حدث بعد سيطرة الحركة على غزة، من دون التأكّد أو التثبت.
الخطوة الأولى المطلوبة، الآن، تكمن بإيجاد مؤسسات مدنية موازية مهنيّة، لها استقلاليتها وحياديتها، تديرها كفاءات فلسطينية متخصصة في العلاج السلوكي لضحايا الاحتلال، تكون مرجعية لمن تعرّضوا للابتزاز أو بدأوا طريق الجاسوسية والخيانة لأبناء شعبهم وقضيتهم، قبل القفز إلى إدانتهم وتصفيتهم، كما يحصل حالياً.
"الأب المناضل" و"الابن الجاسوس" قصة، بالفعل، أكثر من مؤلمة، وتحكي جزءاً من الرواية الإنسانية الفلسطينية في مواجهة احتلال لا يرحم، حتى في تدمير الآباء من خلال أبنائهم!
m.aburumman@alghad.jo