في الإصلاح الثقافي
د. بسام البطوش
ليس غريبا أن نشعل فتيل الأسئلة حول الاصلاح الثقافي ونحن نقرع أبواب الاصلاح كلها، فنلج بعضها، ونقف على أعتاب بعضها الآخر. لعلمنا بأن أسئلة الثقافة متصلة بالمشروع الوطني للإصلاح، وتأخذ منه مكان العقل من الجسد،ولا نأمل أن نحقق شروط الاصلاح ومتطلباته دون تغيير في المفاهيم الثقافية السائدة، ولن نعبر برزخ الفساد دون تغيير ثقافي،فالإصلاح ثقافة والفساد ثقافة.
وفي هذه العجالة سأقف عند أسئلة الفعل الثقافي في بلدنا، ومدى مواكبتها للعملية الاصلاحية الشاملة. للثقافة الأردنية وزارة ترفدها مؤسسات رسمية وأخرى أهلية، والساحة الثقافية الوطنية غنية وزاخرة،وهموم الوسط الثقافي والإبداعي كثيرة ومتنوعة ومزمنة.ما يمكنني قوله هنا، أن وزارة الثقافة تشكل جسما رسميا هاما يدير الفعل الثقافي الوطني في بعده الرسمي، وهي تشكل أحد الحراس الأمناء على المشهد الثقافي الوطني، مما يوجب أن تمتلك رؤية متكاملة وواضحة لدورها في تشكيل المشهد الثقافي الوطني، وخدمة الرسالة الثقافية للدولة،ورعاية الابداع والمبدعين،وإشاعة ثقافة الاصلاح،ومحاصرة ثقافة الفساد.
لكن وزارة الثقافة تعاني من ضعف في موازنتها ومواردها، وتعاني من كثرة تقلب الوزراء والأمناء، وتعاني من غياب الاستراتيجية الوطنية للثقافة، القادرة على تأطير تصور الدولة الأردنية للثقافة في بعدها الوطني التنويري المتطلع لتمكين الهوية الوطنية وتعزيزها في ظل التحولات الكونية والإقليمية، ورعاية تنفيذ هذا التصور، ومتابعة تطوره عبر فترة زمنية لا تقل عن خمسة أعوام.
وهمومنا الثقافية تمتد إلى صناعة النشر، وتغول رأس المال على المؤلفين والمبدعين، وضياع حقوقهم، وهمومنا تتصل بسياسات النشر وآليات الدعم،ودرجة عدالتها وكيفية توزيعها بين عباد الله، ومدى شفافية اللجان السرية المتحكمة في رقاب الكتاب، ومزاجيتها في إصدار الأحكام القطعية،ودون إتاحة المجال أمام المؤلف لفهم أساب الرفض،أو لمعرفة المعايير المعتمدة،أو لمناقشة أعضاء «محاكم التفتيش» التي تصدر قراراتها غير المبررة وغير المنطقية وغير العادلة وغير الموضوعية، والتي لا تخلو من اشتراطات أيديولوجية أو مصلحيه متنوعة. وأسئلتنا تأخذنا إلى ضرورة تقويم تجربة المدن الثقافية، والنظر في منجزها الثقافي الحقيقي،وإعادة النظر في آليات العمل، وآليات اختيار اللجان المشرفة،وآليات اتخاذ القرار، وتبويب الأولويات،ولا بد من النظر في حقيقة الأثر الدائم الذي تتركه موسمية الفعل الثقافي الوهمي أحيانا في هذه المدينة أو تلك.وهمومنا متصلة بكل تأكيد بمشروع الذخيرة العربية،ومدى شفافية القرار في تحديد الكتب المختارة. وهواجسنا كثيرة ومشروعة حول مشروع الوزارة الرئيس والريادي المتمثل في مشروع مكتبة الأسرة، من حيث تقويم التجربة بكل تفاصيلها، ولعل نظرة سريعة أو متفحصة لقائمة ما نشر ضمن المشروع في مواسمه الخمسة الماضية،أو ما تقرر الوزارة دعمه من منشورات خارج سياق المشروع يثير شهيتنا لمعرفة الرؤية الفكرية التي أثمرت هذه الاختيارات، فلنا أن نتساءل عن مدى توافق ما ينشر مع المشروع الثقافي الوطني للدولة إن وجد،ومدى انسجام هذه المنشورات مع المرجعيات الدينية والفكرية والحضارية للدولة الأردنية،ومدى خدمتها للهوية الوطنية الأردنية؟ فهل يعقل أن تتبنى الوزارة نشر روايات جرجي زيدان المشبوهة والمسيئة لتاريخنا وحضارتنا وديننا، ولا تتضمن كتابا واحدا يعرفنا بأعظم رجل عرفته البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وهل يعقل أن ينشر كتاب «أخبار الحمقى والمغفلين» ولا نجد كتابا واحدا يحدثنا عن التاريخ الحقيقي الممتد لوطننا الأردن عبر الأزمان ؟ فما يمنع اللجنة المشرفه «قدس الله سرها» من اللجوء إلى الاستكتاب إن وجدت في المكتبة العربية أو الأردنية فقرا لايمكن تجاوزه،وهل يعقل أن لا تتضمن قائمة منشورات المشروع كتابا واحدا يعرف الأجيال الأردنية بالرموز الوطنية الأردنية ورجالات الوطن ؟!
أسئلة الثقافة وهمومها ممتدة ومتصلة ومتنوعة وهي جديرة بعقد مؤتمر الثقافة الوطنية وهمومها،ولنا في الدكتور صلاح جرار ثقة وأمل في أن يلقي حجرا إصلاحيا في المحيط الثقافي الأردني.