لو اخذنا عائدات السياحة بمختلف اشكالها الدينية والعلاجية والسياحية والثقافية في دول الجوار من مصر الى السعودية وسورية ولبنان, لوجدناها بعشرات المليارات وبالطبع حسب حجم الدول ومكانتها وما يتوفر فيها من بنى تحتية.
عائدات السياحة الباحثة عن "شمس الشتاء والبحر" تبلغ في قبرص اكثر من 6 مليارات دولار, وقد كانت قبل 30 عاماً بضع عشرات من الملايين. كما ان شرم الشيخ كمنتجع سياحي عالمي ظهر في الفترة نفسها التي وُضِعَتْ فيها قبرص على الخريطة السياحية في اوروبا خاصة الشرقية والدول الاسكندنافية.
وكما ذكر وزير السياحة المصري السابق, فان الدولة, او القطاع العام هو الذي خاض معركة التحدي من اجل ان يجعل شرم الشيخ يُنافس هضبة الهرم في استقطاب السياحة الاجنبية. بعد ان اقامت الحكومة المصرية بنية سياحية كبيرة كلفت مليارات الجنيهات. مما جذب رأس المال العربي والمصري لبناء مدينة الشمس والبحر والمنتجعات الصحراوية الجميلة.
لا تبعد العقبة سوى اميال عن فنادق طابا, او فنادق الكيلومتر مربع, وما يأتي الى طابا من السياحة الاجنبية اكثر مما يزور مدينة العقبة, التي اصبحت في ظل السلطة الخاصة بلدا بحجم بعض الدول الصغيرة, بعد ان إمتدت الى وادي رم ومناطق شاسعة حتى وادي عربة, واذا ما ذهبت الى مطار شرم الشيخ ستجد ان طائرة تصله او اخرى تغادره كل خمس دقائق, فيما نحن لا نزال "نهرش رؤوسنا بحثا عن افكار ومشاريع"?
اذا ذهبت الى منطقة البحر الميت, ستجد منتجعات قائمة او على الطريق لكن للنخبة ومن دون زحمة, اما على "الطريق السياحي" الجميل النازل من مادبا, وجبل نبو الى البحر الميت والمغطس, والذي يشكو من ندرة العابرين, فلقد تشكلت ارضية قوية للنهوض بسياحة دينية مزدهرة, بعد ان زارها البابا. لكن لا زيارته اطلقت حملة ترويج سياحية للاردن يمكن تَلَمّس اثارها "بجروبات سياحية" كالتي تشاهد اعدادها الكبيرة في الدول من حولنا, ولا حصول البتراء على صفة احدى عجائب الدنيا ساعد على ذلك?
ومن جرش الى مدرج عمان, حيث معالم السياحة الثقافية المندمجة بالمدن والتاريخ والحضارة والحاضر, الى اضرحة الصحابة والشهداء من وادي الاردن الى مؤتة, هناك فقر في الزوار ونمو بطيء في الحضور على الخريطة السياحية الدينية والثقافية في العالم.
إن ذهبت الى معالم تركيا وشواطئها السياحية, من استنبول الى انتاليا, او ذهبت الى شرم الشيخ, وبيروت ودمشق, ستجد الملايين من السياح يأتون بالطائرات في "جروبات" ويسكنون فنادق خمسة نجوم وعلى اجمل الشواطىء, وعلى اشهى الموائد, باسعار تساوي المبيت نصف ليلة واحدة في فنادقنا في المناطق السياحية, ونتساءل اين هي المشكلة? ومن المسؤول? هل هي عقيدة سياحية خاصة بالاردن, لا يضاهيها ما عند الآخرين? لماذا لا نفتح الابواب امام السياحة الدينية في مؤتة وفي مقامات الاضرحة وهناك اتفاقيات بخصوصها لا تنفذ, ولماذا يكون الدخول فقط الى بعض الفنادق يساوي "35" دينارا وهو ثمن ليلة كاملة في احسن الفنادق العالمية في استنبول او شرم الشيخ? لماذا لا يكون هناك العشرات من الناشطين في القطاع السياحي مثل "خالد نفاع" الذي جذب مئات الالاف من السياح الاوروبيين الى العقبة? وبدلا من تنمية الظاهرة تم القضاء عليها!!
بالمحصلة, لا اضع اللوم على وزارة السياحة, لكن على الحكومة وجميع الحكومات. ومن يتحمل القسط الاكبر من اللوم هو القطاع الخاص الذي لا يزال يفكر بعقلية تاجر الجملة واشير الى ان دبي, بنت نظريتها في استقطاب ملايين البشر من السياح ورجال الاعمال, على فكرة بسيطة وهي, ان يُسْمِحَ لهؤلاء بالدخول وقضاء ولو ليلتين في دبي. فذلك كفيل ببناء اكبر الاقتصاديات والآن, في دبي ايضا, وفي فنادقها الاسطورية "جروبات" ارخص بكثير من التكلفة على السائح في العقبة والبحر الميت!!
وبالمحصلة ايضا, هناك ثروة سياحية هائلة, لكن مهدورة, ثروة يمكن ان تكون بندا "للعائدات" في الموازنة يحل محل بند المساعدات, بل ومحل بند الضرائب المتنامية كالفطر في ليلة رعدية.