ما أكثر الذين يأخذون من التسويف شعارا لهم ، يمكنونه من قلوبهم ، حتى تقطّعت آمال وانقطعت آجال .
من هنا وهناك تتقافز همسات تنبعث من خلالها رائحة العجز , والتكاسل – بنيان يصل عنان السماء وفي قمته شعلة يكاد يُرى نورها, وفي أساسه نَخْرٌ متعفن كلما اشتدت الشعلة بنورها ما تلبث الا وتخمد , هذه هي حال من يحيطون بنا من أنصاف للرجال والنساء ,فكيف يكون لتلك الأمة أن تنهض في غدها ، فان كان يومها مهزوم متردد لا نقاء او انتقاء ولا مضي او سعي وفوق كل هذا خذلان .
كثير منا يذكر أو شهد تجربة صديق يبكي بمرارة لوعة الخذلان والألم فما كان منا الا النصيحة وترك الماضي والمضي قدما بالحياة , ولكن حين يمسنا هذا النوع من التجارب نشعر أن ما كان من نصيحة سابقة تتناسب للغير لا تتلاءم معنا فنشعر بالضعف والعجز وربما الانتحار .
ظاهرة غريبة تطل بوجهها علينا خالية من أي مشاعر للمسؤولية , تعيش يومها ووقتها لنفسها تتملكها صفة الأنانية والأنا- تلك الظاهرة أودت بحياة الكثير من البشر ليس فقط من أسدلت عليهم ستارة الموت ولكن تراءت فيما خلفها أشباح تحوم حول من ينتمون لذاك المنتحر , فعاشوا الحياة باللوم وتأنيب الضمير وهم يعجزوا عن تفسير ما حدث ولم ؟ ناكسي الرؤوس حيارى وماذا بعد؟.
لا أعرف أيهما أسوأ؟! أن تخذل شخصاً آمن بك بكل قواه..أم أن يخذلك أنت شخصٌ وثقت به ونظرت إليه بإكبار؟
لا أعرف الكثير عن الحالة الاولى ..ربما لأننا لا نرى عيوبنا ولا أخطائنا..لكننا بالتاكيد نعرف الكثير والكثير عن الحالة الثانية وما هو معروف أيضاً أنه كلما زاد حبنا للشخص الذي يخذلنا يصبح الألم أكبر وتكون المصيبة أشد, الخذلان ليس مثل نكران الجميل او الخيانة ,حيث يستطيع الشخص أن يغضب أو يشكو ,الخذلان احساس اكثر إيلاما ربما لأنه لا يراه غير المخذول, وأسوأ أنواعه خذلان عديل الروح لأنه اختيار النفس للنفس , "طار السهم ولم يرتد" , ويقال ان الحب أعمى ويقود للجنون , ونضع اللوم أولا وأخيرا على الحب وهو أسمى وأعلى من هذا الاتهام , متناسيين البشر وأشباههم من الرجال والنساء الذين لعبوا دور الضحية وبالتاكيد لم يغزوا الحب قلوبهم يوما , لأن من أحب قادر على صنع المعجزات وتحدّي حتى قوانين الطبيعة .
ما أعظم وصية من قيل له : أوص ، فقال : احذروا "سَوْفَ "فإن يوم العاجزين غدً ، وصاحب الهمة لا يعرف يوم العاجزين ، لأن الحقوق مرتبطة بزمانها ، والواجبات أكثر من الأوقات ، والتسويف تفويت لحق لزمه ، وتضييع لواجب عنده , فإياك والتسويف ، فإنه أكبر جنود إبليس والتردد افساد وبرود في الهمة وشتات الجهد والخذلان فايروس قاتل ومرض عضال لا دواء له الا بالعزم والجزم.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اية المنافق ثلاثة –اذا تحدث كذب , واذا وعد اخلف , واذا ائتمن خان" , فهل نجد في زمننا هذا من اذا قال صدق , واذا وعد فعل, واذا ائتمن صان , ام ان صفة المنافق تغلفت بها العقول والقلوب فلم يعد للشرفاء مكان , وهل نجد من يغتنم شبابه قبل هرمه ، وصحته قبل سقمه ، وغناه قبل فقره ، وفراغه قبل شغله ، وحياته قبل موته ", , وكان مصلا مضادا لذاك الفايروس القاتل الذي فتك ويفتك بالبشر والأمم جميعا.