اجتماع وزراء دول المتابعة في القاهرة يلخص المآل والحال الذي وصل اليه الموقف العربي في ملف القضية الفلسطينية. فالوزراء اجتمعوا ليس من اجل الرد بقرارات عملية على الاستيطان وتهويد القدس وبالتالي انقاذ ما تبقى من الارض المحتلة, انما من اجل (انقاذ) مؤتمر القمة المقبل في ليبيا. ومهلة الـ (4) شهور التي اقرها الوزراء تجنب القمة البحث عن خيارات اخرى.
لقد نجح الوزراء في الضغط على السلطة الفلسطينية وعلى محمود عباس للتراجع عن شروطه للذهاب الى المفاوضات, والقبول بالعرض الامريكي باجراء مفاوضات غير مباشرة, بينما يتطلب الوضع الراهن في الاراضي المحتلة تشجيع عباس على موقفه من الاستيطان كشرط لبدء المفاوضات, ثم تحويل منصة الاجماع المقبلة في طرابلس الى مكان لتبني تحرك سياسي قوي للضغط على اسرائيل وامريكا ومجلس الامن ومطالبتهم بسلوك الطريق نفسه الذي يسلكونه في التعامل مع المفاعل النووي الايراني, وهو اصدار قرارات في مجلس الامن تفرض عقوبات سياسية واقتصادية ومالية ضد اسرائيل, اذا استمرت في احتلالها واعتداءاتها على شعب كامل استباحت وطنه وهويته ووجوده.
من تجارب القمم العربية, منذ ان اصبحت دورية, ان الانجاز يكون بعقد القمة. اما ملف القضية الفلسطينية, فان الانجاز اليتيم يتلخص دائما بجملة واحدة هي (التمسك بالمبادرة العربية).
من المفترض ان تؤدي المبادرة, التي تقف خلفها 22 دولة عربية وتؤيدها 35 دولة اسلامية, الى صنع قوة ضاغطة لفرض السلام والامن والاستقرار في المنطقة, لكن لو عدنا الى الوراء, الى السنوات التسع الماضية, اي منذ قمة بيروت التي اقرت المبادرة, سنجد ان اسرائيل لم تُقم الاعراس والليالي الملاح ترحيبا بالعرض العربي السخي, لكنها فعلت ما يلي:
1- شن حرب كاسحة على السلطة الوطنية ادت الى تدميرها ودس السم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, مع التنويه بان شارون شرع بهذه الحرب بعد اقل من 12 ساعة من توقيع الزعماء العرب على المبادرة العربية.
2- شن حربين على لبنان, الاولى تدمير شامل, والثانية في تموز عام .2006 3- شن حرب "الرصاص المسكوب" على غزة التي فاقت في مجازرها حسب تقرير غولدستون كل تصور, واصبحت مسجلة على قوائم جرائم الحرب. 4- بناء الجدار العازل الذي اعاد الى الاذهان قصة (الخط الاخضر) في عام النكبة ,1948 عندما قُسّمت المدن والقرى والاحياء في عمليات ضم والحاق بالكيان الصهيوني. 5- تحولت القدس المحتلة الى مركز نشط لعمليات استيطان وتهويد لا تستثني المقدسات ولا المنازل والشوارع والمقابر. 6- تزايد حمى الاستيطان في الضفة الغربية وانشاء الاف المنازل في المستوطنات اليهودية.
كل هذا حدث, في ظل مناخ المبادرة العربية, وبيانات الاجماع والمباركة المتكررة مع انعقاد كل قمة عربية, ومع ذلك يُصر القرار الرسمي العربي على ان المبادرة حيّة ويجب ان تستمر. حسناً الجميع موافق, لكن بشرط الاثبات اولا, بانها حيّة ولم تعد جثة هامدة. وحتى تكون حيّة يلزمها اسنان وسواعد وارجل. وإلا فالحل هو (الحانوتي) لان إكرام الميت دفنه.