ها هو "بكر حجات" يقفز أمامي من جديد.. يُعيد إليّ صباي الأول.. يبعث إليّ برسالة تضجّ بي وبه وبمكان التمرّد الأول "كنا معا في جلسات الانتماء والوفاء للأوطان نسترجع فيها انتكاساتنا ونكباتنا.. وفرضيات محتملة بحجم آمالنا البريئة.. كنا معا.. وغزلنا كان ماضيا غابرا ننتظر عودته..".. أي والله هو ذاك يا بكر.. أتذكر كم كنا نجوب شوارع "قريتنا الكرامة" ليلاً وليس في الشوارع سوى أنت وجميل أبوحرب وأنا: وكانت فلسطين والعراق دربنا المرهق إلى الاشتباك مع الوعي المُبكّر؟،.
كنتُ صاحب خطّْ عفشيكي.. وأحياناً لا أعرف قراءة خطّي.. وكان بكر حجّات صاحب خطّْ جميل.. كانت تخطر فكرة القصيدة.. يمسك بكر الورق الأبيض وأنا أجوب حواليه كالممسوس.. أنا أثرثر بالشعر: وهو يسكب شعري على الورق.. لتخرج القصيدة بعدها.. وتنتهي حالة تخبّطي..،،.
يقول بكر في رسالته "أحن الى تلك الايام والاوقات التي قضيتها معك وأنت تدغدغ مشاعري بحروف وكلمات رائعة تخرج من فمك وأنا كاتب اشعارك وافكارك بخط يدي الذي احببته ووجدته جميلا على صفحات اوراقك.. كانت لحظات لا تنسى لها الفضل في تكوين شخصيتي..".
أمام بيتنا في القرية.. ثلاثة أحجار.. هناك نجلس.. كم مرّة سرقت البلدية تلك الأحجار.. وكم مرّة كنا نعيدها.. أتذكر كم نائباً مرّ على تلك الأحجار..؟؟ أتذكر كم اجتماعاً سريّاً وعلنيّاً عقدنا هناك..،، أتذكر يا بكر كم أصبح عدد الأحجار الثلاثة.. أربعة.. خمسة.. عشرة.. وكل طالب انتساب جديد كنا نقول له "جيب حجرك معك وتعال" حتى صار المكان يعرف بـ"البرلمان الحجري..)..؟،.
يقول بكر ليستفزّ ذاكرتي "... وكم احن اليك يا ابا وطن ونحن نتسامر معا وبصحبة الموهوب ذوالعقل التاريخي ابوحرب... أحن وكلي شوق لتلك الامسيات والجلسات الفارهة على ثلاثة حجارة بجانب الوادي بابريق شاي لا نعلم ملامحه وتاريخ صنعه.. وأحن الى جلسات الاستثمار في المستقبل والارتفاع والهبوط في سلعنا الفكرية وانحطاطاتها والتي ما برحنا اواكتفينا بالبحث عنها وتداولها.. آملين بضربة من الحاضر توقظنا على حين غفلة ونصحوا على فجر وواقع ما نحلم ونتمنى انه آتْ".
الله عليك يا بكر.. وأنت الآن فارس من فرسان الاغتراب.. تنهل من وجع الغربة ولكنك لا تنسى كيف تحنّ إلى براءتنا التي أطلقتنا في سماء العالم الكبير..،، أوجعتني وأنت تذكرني بتفاصيل لم تغب أصلاً.. ودعنا في أول عودة لك.. نعود إلى أحجارنا الثلاثة كي نفهم ما يحدث حولنا..،، خطك في الرسالة كان جميلاً كالعادة يا صديقي.. رغم أنه خط كمبيوتر..،،.
abo_watan@yahoo.com