فقدت ثقتي في الإعلام العربي برمته منذ فترة ليست بالوجيزة، إلا أنني كغيري مضطرة أحيانا إلى متابعة الأخبار على إحدى القنوات العربية وعادة ما تكون قناة الجزيرة القطرية، وبالرغم من يقيني بأن جميع فضائياتنا العربية موجّهة ومسيّسة إلا أنني أندهش في كل مرة أشاهد فيها تفاصيل متابعة قناة الجزيرة للأحداث التي تخص الأردن وسياستها ومخابراتها ودورها الإقليمي في المنطقة ودورها كطرف أساسي وشريك استراتيجي في القضية الفلسطينية، وفي كل مرة أزداد فيها اندهاشا يزداد سؤالي إلحاحا في طرحه وتساؤلاته واستنكاره: \"هل تعي قطر على وجه العموم وقناة الجزيرة بالتحديد الدور الذي تلعبه منذ أن أنشئت وحتى اليوم في المنطقة العربية؟\".
ما يميز قناة الجزيرة عن سواها من القنوات العربية الأخرى أنها أكثر ذكاءا وأحد نظرا وأعمق بعدا، فهي على سبيل المثال ليست كقناة العربية التي تتحدث بصراحة وبوضوح بلسان العدو أكثر بكثير من كونها قناة عربية، فالجزيرة بدت للوهلة الأولى كمنبر حر وقناة جريئة وخطوة غير مسبوقة في آفاق الديمقراطية، إلا أنها بمرور الوقت بدأت تنزع أقنعتها ببطء وحذر يلمسه من يتابع تفاصل طريقتها في طرح القضايا العربية، والكيفية التي تناقش بها المسائل السياسية المتعلقة بالأطراف العربية وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
تابعت تفاصيل برنامج \"ما وراء الخبر\" الذي تحدث عن تصريحات البلوي حول المخابرات الأردنية ودورها في بعض الاغتيالات التي وقعت مؤخرا في المنطقة، يمكن لأي متابع أن يشعر بتلك الأصابع الخبيثة التي تقف وراء الأسئلة المحبوكة بمكر إزاء هذه التصريحات، أنا لست ضد الخوض في تفاصيل قد تكون مهمة فيما يتعلق بالمنطقة وأمنها وعلاقتها الشائكة والملتبسة مع إسرائيل، إلا أنني أشم دائما رائحة فتنة نتنة تفوح من إبط برامج وتقارير وأسئلة القناة فيما يتعلق بالأردن.
أذكر هنا على سبيل المثال حلقة من حلقات برنامج \"ما وراء الخبر\" تم فيها توجيه الأسئلة لكل من الكاتبين الصحفيين توفيق محادين وجميل النمري حول تعاون أمريكي أردني في مجال الأمن لمكافحة الإرهاب إثر عملية خوست، حينها شممت الرائحة ذاتها تزكم أنف البرنامج برمته جراء أصابع الاتهام التي توجها القناة بطريقة خفية أحيانا وبشكل واضح علني أحيانا أخرى، وأذكر أنني سألت نفسي يومها: \"ما الذي تريده قطر بالتحديد؟\"
أتذكر هنا أيضا التقرير الذي صدر منذ عام أو أكثر عن مجلة ألمانية لم نسمع بها قط وليس لها أي تاريخ سياسي عريق معروف لدينا على الأقل مقارنة بالمجلات والصحف الأمريكية والبريطانية والفرنسية وحتى الألمانية التي اعتدنا على سماع أسمائها وعناوين أخبارها وأعمدة المشاهير من كتابها، تحدثت تلك المجلة في تقريرها عن أدلة تدين حزب الله في عملية اغتيال رفيق الحريري، أذكر حينها كيف تبنت كل من قناتي العربية والجزيرة ذلك التقرير وكأنه صادر عن هيئة الأمم المتحددة أو عن محكمة العدل العليا، وراح ذلك الخبر يتصدر قائمة الأخبار والبرامج ويناقشه المذيعون بحماس وثقة وسعادة غامرة وكأنهم يتفاخرون بتحرير القدس بعد عقود من الاحتلال!
لا يفوتني هنا أن أذكر تصريحات وزير خارجية قطر حول أسباب تخلف محمود عباس عن حضور قمة قطر الذي عقد لتهدئة الأوضاع ما بين فتح وحماس آن ذاك، حينها صرح وزير الخارجية بأن محمود عباس لم يتمكن من حضور المؤتمر لأنه واقع تحت تأثير ضغوط لا يستطيع خرقها، وكانت تصريحاته تلك جريئة حيث لم نعتد في الوطن العربي على أن يفسد سياسي عن سياسي آخر، فكلهم في الهم شرق.
سؤالي المصلوب على أعمدة الدهشة هو: \"لماذا تحاول قناة الجزيرة بث الفتن ما بين الأقطار العربية؟ وهل تعتقد القناة أننا نحتاج حقا إلى مزيد من الفتن والفرقة والضغينة؟ لماذا تشكك القناة في ذمة هذه الدولة وفي عروبة تلك؟ لماذا تغرس بذور الفرقة والخوف وعدم الثقة ما بين الشعوب العربية؟ وهل هناك بعد مباراة مصر والجزائر شك في هشاشة ووهن الروابط التي تربطنا على كافة الأصعدة حتى الرياضية منها؟\".
تفاصيل تصريحات البلوي لم تفاجئني فجميع المهتمين بشؤون المنطقة السياسية وقضاياها، والقارئين لتاريخها والمتابعين لمجريات الأحداث على الساحة العربية – الأمريكية – الإسرائيلية يعلم جيدا أن هنالك روابط رسمية معلنة وأخري غير معلنة رسميا ما بين أمريكا وبعض -إن لم يكن كل- دول المنطقة، بما في ذلك بالتأكيد تعاونا عسكريا وأمنيا واستخباراتيا، ولكن ما يفاجئني حقا هو أن قناة الجزيرة القطرية تتحدث بلسان المتهِم وكأن قطر ليست من أوائل الدول التي هرولت للتطبيع مع إسرائيل بكل صراحة وجرأة ووضوح دون مواربة أو خجل، وهي ضمن دول الخليج العربي التي تعد جميعها حليفا قويا وشريكا رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
مصيبتنا الكارثية منذ الحرب العالمية الثانية أننا لا نتقن فن القتال ورمي السهام، فلو أننا حددنا هدفنا وركزنا على وجهة عدونا عوضا عن التراشق فيما بيننا لكنا الآن أفضل حالا بكثير.