مع الأخذ بالاعتبار مبدأ أن المتهم بريء حتّى تثبت إدانته، فإن قضية مكافحة الفساد حصلت على دفعة معنوية استثنائية أول من أمس بتحويل أربعة متهمين في قضية مصفاة البترول إلى محكمة أمن الدولّة.
فبعد أن قررت الحكومة الحالية وقف اجراءات استقطاب "شريك استراتيجي" لمشروع توسعة المصفاة، جاءت أول مفاجأة بتحويل الملف الى هيئة مكافحة الفساد، ثم المفاجأة الكبرى الثانية بتوجيه اتهام لأربعة واعتقال المتهمين، ولعلها أول واقعة لاعتقال بتهمة فساد لوزير سابق ومدير مؤسسة كبرى ورجل أعمال كبير ومستشار اقتصادي في الحكومة.
قرأ بعض المراقبين الخبر أول من أمس بتكفيل المتهمين وإطلاق سراحهم كمؤشر محتمل على ضعف القضيّة، مع أن إجراء التوقيف هو أسلوب معتمد من الادّعاء المدني غالبا ما يقصد به الإلزام بتكفيل يبقي المتهمين تحت اليدّ. لكنّ إثارة جديدة حدثت عندما تم تحويل القضيّة الى محكمة أمن الدولة بوصفها جريمة أمن اقتصادي، وبذلك استمرّ إيقاف المتهمين. والحكومة حتما سوف تتضرر بشدّة لو أظهرت وقائع القضية عدم وجود فساد، ولن يفلت الرئيس من شبهة الانتقائية وتصفية الحسابات. الرأي العام طبعا متعطّش لسياسة حاسمة في مكافحة الفساد، لكن لا أحد يريد دفع ضحايا الى المقصلة فقط لإرضاء جمهور ثائر!
في قضيّة المصفاة، ومنذ البداية لم يكن موضوع الشريك الاستراتيجي الغامض مريحا، وبادر الإعلام لإثارة الموضوع، وكتبت شخصيا في وقت مبكر عن ذلك، وبسبب المقال عرفت من السيد خالد شاهين أنه هو نفسه شركة "انفرا مينا" أو الشريك الاستراتيجي المفترض. ولم يكن هذا معروفا للعموم بعد. والى جانب مدير عام المصفاة ورئيس مجلس الإدارة كانت المفاجأة وجود المستشار الاقتصادي في رئاسة الوزراء السيد محمد الرواشدة مع المتهمين، فما شأنه بهذه القصّة؟!
مبدئياً، كسبت الحكومة دفعة ضخمة من المصداقية في هذه القضية، وستصل مصداقيتها الى ذرى غير مسبوقة، لو تابعت بنفس الزخم، ونقول لها حيّ على الجهاد ضدّ الفساد، وفي بالي شخصيا قضية أو اثنتان قد تجد فيهما الحكومة منجماً من "البلاوي" لو فتحت الملف.