تمشي في الشارع وتقرأ اسماء المحلات التجارية فهذا اسمه "التقوى" وذاك اسمه "صلاح الدين" وآخر اسمه "بدر" وآخر اسمه "مخافة الله" وآخر يسمي نفسه "الفتح" ، وآخرهم قد يُسمي نفسه "الاسراء" او "المعراج" ، وما بعد آخرهم قد يُسمي محله التجاري بمحلات "العابدين" او "الزاهدين" ، او "احباب الله".
كل هؤلاء قد يبيعون مواد بلاستيكية او طحينا او سكرا او طحينة منتهية الصلاحية ، او قد يكون حلاقا ، او مُستوردا ، او مُصدرا ، او تاجر سيارات ، او يبيع ابر البابور ، او جرار الفخار. لا اعرف لماذا يستخدمون اسماء ذات دلالات دينية ، ولماذا يُوظفون اسماء الله وما في القرآن لغايات تجارية بحت ، ولمنح انفسهم مسحة دينية امام زبائنهم ، ولماذا يريدون هذه "المسحة واللمحة" في عمل تجاري بحت قابل للخسارة والربح ، وقابل للغش وانتهاء المواد من حيث عمرها ، وقابل لدفع الشيكات عبر المصارف الربوية ، وقابل لكل شيء مما يخطر ببالك ، وما لا يخطر على بالك ، في هذه الحياة ، وهل يضمن من يستخدم اسماء كهذه الاسماء ان لا يتعرض الى اخطاء تمس دلالة الاسم ، وتعكس ربما في حالات متاجرة البعض بالدين.
الذات الالهية والدين ومُفردات القرآن اكبر واعظم بكثير من توظيفها ضمن الدعاية التجارية لهذا المحل او ذاك ، ونحن لا نقصد مؤسسة او شركة او محلا بعينه ، نتحدث عن ظاهرة تتزايد ، في الوقت الذي تتراجع فيه القيم. صلاح الدين الايوبي من قائد عظيم اصبح يافطة لمحل ، واحباب الله من عُباد وعابدين اصبحوا رخصة تجارية. والاسراء من كرامة لسيدي رسول الله ، الى اسم تجاري لمن يريد ان يقول انه مُتدين او يتباهى بقيمة الاسراء عبر يافطة تجارية ، بدلا من السلوك البعيد عن اعين الناس. الانقياء حقا اهل الخفاء ، ممن لا تراهم ولا تعرفهم ، لا بلباسهم وبلوك السواك بطريقة مبالغ فيها ، ولا بتحنية اللحية ، ولا بادخال هذه الاسماء الى الاعمال التجارية ، بعد ان كانت اعمالا سماوية لها سرها البعيد عن اليافطات الملونة والاسماء التجارية.
سيأتي البعض ليقول ان استخدام الاسم ذو الدلالة الدينية فيه تخليد لهذه الاسماء ، فلماذا تعترض. تخليد الاسماء لايكون بيافطة تجارية. تخليد الاسماء هو بالممارسة في البيوت والحياة. هو بتسمية ابنك اسما كمحمد وجعله على ذات خطى محمد ، بدلا من حمل كثرة لاسماء ذات خصوصية وارتكابهم لافعال مشينة. حين يسمي الواحد ابنه مُحمدا او احمد او اي اسم من هذه الاسماء ، لكنه يترك ابنه بلا تربية ، مثلما نرى في قائمة المطلوبين للمحاكم ونقارن بين اسمائهم وافعالهم ، فنتعجب اشد العجب لمن لا يُفكر في اسمه قليلا. تخليد الاسماء والدلالات والقيم والقصص لا يكون بالمتاجرة فيها ، او حتى مسها بسلوك غير متوقع خلال العمل التجاري الذي هو عُرضة لمشاكل كثيرة يوميا. ما شعور من يضع يافطة من هذا القبيل حين يغش او حين يبيع سلعة مغشوشة وقد لا يعرف انها مغشوشة ، او يطرد عاملا عنده ، او يرتكب اي فعل من هذا القبيل او ذاك القبيل.
لم يبق الا نتاجر بالدين. في وقت يتراجع فيه الدين في حياتنا ويتحول الى يافطات ، خلفها ماخلفها ، من حكايات ، يُروى بعضها ولا يُروى بعضها الاخر.
فرق كبير بين التجارة التي لن تبور والتجارة التي ستبور. أليس كذلك؟
mtair@addustour.com.jo