همس في أذني قائلا ، بعد تنهيدة مزقتني: تصور ، بعد أن دفعت كل أو معظم ما عليّ لم يبق لي ما آكله غير الهوا، قلت: وأنت ما شاء الله ، رجل لامع ومحترم وله مكانة رفيعة في المجتمع ، وفوق كل هذا دخلك جيد ، وتنتمي إلى أعلى شريحة في الطبقة الوسطى ، ماذا يفعل غيرك؟، أعني أولئك الذين يحصلون على ربع أو عشر ما تحصل عليه؟، قال: هذا بالضبط ما يخنقني ، فإن كنت أنا - المنتمي لتلك الشريحة كما تقول، - أصبحت على الحديدة في اليوم السادس من الشهر ، فكيف بأولئك المنتمين إلى السواد الأعظم من ناسنا؟. سألت: إن لم يكن لديك مانع ، أرجوك ماذا فعلت براتبك؟ ضحك بسخرية وقال: بل قل ماذا فعل بي، أنظر ، دفعت فواتير الكهرباء كلها بعد التهديد بقطع التيار ، وفواتير الهاتف ، وشيئا من فواتير الماء ، لم أستطع أن أغلق حسابهم ، ودفعت أيضا قسط السيارة ، وإيجار البيت ، وجزءا من دين صغير مكسور من الشهر الماضي ، الدين الأكبر لم أستطع أن أقترب منه ، ودفعت أيضا ثمن بعض المواد الاستهلاكية ، شيء من التموين والمعلبات والمنظفات ، والخضروات أيضا لكن بدون فواكه ، ودفعت مصروف الأولاد والبنات طيلة شهر ، بما في ذلك طالب في الجامعة ، و..، صمت فجأة ، ثم قال: هل تصدق لم يبق لي غير قليل من الفكة؟، قد أكون طبيبا نظيفا ، أو صحفيا لا يمد يده ، أو مديرا عاما أو حتى أمينا عاما لوزارة لكن لا يسرق ، قد أكون واحدا من هذه العينة ، فكلنا في الهم سواء ، تصور أن لا نستطيع أن نعيش بكرامة دون دين أو سلفة أو أكل زفت؟ هل تسمع بالطبقة الوسطى؟ نحن هي ، التحقنا بركب السواد الأعظم من الناس؟ هل علي أن أبيع السيارة وأخرج الولد من الجامعة و.. أنام على فرشة اسفنج وآكل بيصارة أو رشوف أو فولا وحمصا وفلافل طيلة الشهر حتى أستطيع أن احتفظ بماء وجهي ، يا أخي أشتهي أن يمر شهر لا ينكسر ظهري فيه في نهاية الأسبوع الأول منه ، مللت اللهاث وراء ميزانية ممزقة سلفا ، تأخذ منها الدولة والآخرون تسعين في المائة ، ولا يبقى لي غير فتات ، أستكمله باللف على الأصحاب لاغلاق الالتزامات الطارئة ، تصور لو مرض أحد الأولاد والله لا أستطيع أن أشتري ثمن دوائه، قلت له: هدىء من روعك يا رجل ، ألا تعلم أن حالك أفضل من تسعين في المائة من الناس، قال لي: يعني أن هؤلاء يزحفون على بطونهم ، ولا يحظى بحياة كريمة غير عشرة في المائة؟ ماذا تتوقع من الجائع أن يفعل؟، اكتب إن كنت حرا كل هذا الكلام ، يا أخي فلقتونا وأنتم تتحدثون عن قضايا لا تهم أحدا غيركم ، تنمية سياسية وأحزاب ، وما لا أعرف من هذرمة ، بدنا نعيش ، بدنا خبز ، ما لنا غير هذه الأرض ، إما أن تنحل هذه المعاناة التي لا تنتهي ، أو..، قلت: أكمل ، أو نحل عنكم؟، قال: ما بعرف ، بقية الكلام عندك،.
Halasmar75@gmail.com