أضم صوتي إلى صوت المفزوعين والمرعوبين من قراءة إحصاءات دائرة الأحوال المدنية، ومن المقارنة البسيطة بين أرقام 2008 و 2009 التي تعطي دلالات في غاية الخطورة، والتي تكشف عن تحولات مذهلة وعميقة تمس كيان الأسرة، وتهدد الاستقرار الاجتماعي والأمن النفسي، وتضرب في الأسس والجذور، ونحن في غفلة عميقة.
فقد زادت الوفيات لعام 2009 مقارنة مع عام 2008 بنسبة 1.2%، في حين انخفضت أعداد المواليد بنسبة 1.6%، أما المؤشر الأكثر وضوحاً الذي نأخذه من تراجع عدد حالات الزواج بنسبة 21.5% ويترافق مع زيادة حالات الطلاق بنسبة 6.7%.
وإذا نظرنا إلى جوانب أخرى لا تنفك عن مجمل الصورة العامة، فقد ارتفع عدد الجرائم لعام 2009 عن عام 2008 بنسبة 19%.
وينقل الكاتب الصحفي «موفق كمال» عن سجل المركز الوطني للطب الشرعي أن العام شهد (65) حالة انتحار، (600) حالة محاولة للانتحار.
أنا لا أدري هل وزارة التنمية الإجتماعية وأصحاب القرار وأهل المسؤولية على اطلاع بما يجري، وهل استوقفتهم هذه الأرقام وهذه الإحصائيات، ووقفوا على دلالاتها الخطيرة والمفزعة، وهل هناك اجراءات وأنشطة معدة من أجل المعالجة، أين المؤتمرات والندوات التي ينبغي أن يدعى لها كل المختصين وأهل الرأي والنظر من الجامعات والكليات والمراكز المختصة والقوى الاجتماعية؛ من أجل البحث والدراسة والوقوف على الأسباب والظروف والعوامل التي أدت وتؤدي إلى هذا الوضع الاجتماعي المتفاقم.
وأتساءل أيضاً هل الناشطات في مجال العمل الاجتماعي والنسائي والأسري، واللواتي يملأن الدنيا ضجيجاً حول الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات السكانية، وتغيير التشريعات المتعلقة بالخلع والطلاق والعلاقة بين الزوج والزوجة، واتفاقية السيداو وغيرها، هل يقرأون هذه الأرقام ودلالاتها، وهل يعتبر ذلك انتصاراً وتقدماً لهذه الجهود المدعومة دولياً، وتجد كرماً طائياً في المنح والمساعدات في هذه المجالات، فهل الزيادة الهائلة في أعداد حالات إنهاء الأسر من طلاق وخلع، وتراجع أعداد حالات الزواج، هل هذا يصب في الغاية المرجوة من هذا النشاط المحموم.
وهل التفكك الأسري، وزيادة أعداد الأطفال الذين لا تستوعبهم ملاجئ الرعاية، وزيادة حالات اللقطاء ومجاهيل النسب، هل يعد ذلك علامة من علامات تقدم المجتمعات وزيادة منسوب الحرية، ويصب في خانة تحرر المرأة ومطالبتها بالمساواة الكاملة، فإذا كانت الإجابة بالإثبات والرضى، فهذا يعني أننا نعيش تناقضاً مرعباً يستحق التوقف الفوري والصارم.
نحن الآن أمام حالة اجتماعية لا يجوز أن نختلف على توصيفها من حيث الخطورة والتراجع المرعب على صعيد الاستقرار الاجتماعي والنفسي، ولذلك يجب وضع حد للمهاترات الإعلامية، ووضع حد للمتاجرة بالأمن الاجتماعي والاستقرار الاسري. وينبغي على جميع الأطراف والمهتمين أن يتداعوا إلى حوار جدّي وصريح وعلني من أجل تقويم كل مسارات العمل في هذا المجال، وتقويم عمل جميع المراكز المختصة والعاملين والعاملات في هذا الميدان، وخصوصاً أولئك الذين يستمدون موازنات أنشطتهم من منح ووسائل دعم غريبة معروفة، ويجب الوقوف على الآثار الحقيقية والجانبية لهذه الأعمال والأنشطة.
إنّ التدهور الحاصل على البنية الإجتماعية، والضرب على لبنة البناء الاجتماعي الأساسية وهي الأسرة، يعد ثالثة الأثافيّ، فإذا تمّ إضافة هذا البعد إلى البعد السياسي المتأزم، والوضع الاقتصادي المتدهور والوضع التعليمي والتربوي ثم الوضع الاجتماعي والأسري، فهذا يعني وبكل أسى أنّ المرض نخر في العظم.
إنّ احصائيات دائرة الأحوال المدنية لعام 2008،2009 تعد صيحة خطر وضوءاً أحمر يوجب التوقف حالاً، والبدء بإصلاح فوري لا يحتمل مزيداً من المماطلة ومزيداً من ضياع الوقت، ومزيداً من الفساد والترهل والتنصل من المسؤولية، فالأمر جد والحالة خطيرة، والعاقبة مذهلة إن لم نتدارك أنفسنا ونحن نملك قليلاً من السعة.
د. رحيل غرايبة