** كنت أخشى منذ سنوات أن (أتعثّر) بين زلاّت وهفوات (المندسين) الذين تحوّلوا من حفّاري (قبور) إلى أدباء وشعراء وإعلاميين وصدّاحين وردّاحين ... كنت ولازلت أخشى أن (أتجرّد) ممّا استبقيت من افكار ورؤى على مدى ثلاثين عاما أمام (ثلّة) من الذين يحصدون الشوك , ويتركون سنابل القمح تموت واقفة في تربتها ... من اولئك الذين جعلوا من (الكلمة) لعبة يلهون أنفسهم بها , أو (حفنة) من رماد يذرون بها عيون (العاشقين) الجاثمين خلف الأبواب .
أشعر بالأسى والمرارة وأنا أرى (ثقافتنا) وقد آلت وبرمّتها إلى مستعمرة تهيمن عليها مجموعة من (الطوّافين) الذين أفسدوها وباعوها بأبخس الأثمان ... حوّلوها إلى (مقابر) أو إلى (مزارع) يقضون فيها أسوأ الأوقات , ولكنهم يصدّون المعزّيين في وقت الممات .
للأسف فإنّ معظم المهرجانات والمدن الثقافية التي تقام هنا وهناك منذ سنوات باءت بالفشل الذريع بعد أن سيطرت على إداراتها مجموعة من الذّين (يحشرون) أنفسهم في كل شيء ... مجموعة من الذين لا يفرّقون بين الإسم والفعل , إلاّ إذا كان الأمر يتعلّق بأسمائهم أو أفعالهم التي (حطّمت) خشبات المسارح أو نفوس (المتألّقين) الذين أصبحوا تائهين يتلمّسون (جدرا) صلدة شاهقة , ويلتمسون نفؤسا (متعالية) .
مشاريع ثقافيّة رسمت على أن تكون كبيرة تلامس الشمس , رصدت لها أموال طائلة , ومهّدت لها أرض خصبة ثريّة ... ولكنها سرعان ما انهارت أو تحجّرت أو تصحّرت حينما أصبحت بين أيد جافّة , ويدير زمامها أشخاص من خارج حدود الثقافة إمّا بطريق مباشر أو من خلال الإنتساب إلى اللجان المشرفة عليها ... جاءوا بعد أن وجدوا أنّ جميع الأبواب أصبحت أمامهم (مفتوحة) , ليحقّقوا مكاسب ومآرب كثيرة تخصّهم أو تخفي معالم (العفن) الّذي تجمّع فوق رؤوسهم بعد أن فشلوا في صنع (شهرة) يئسوا أن يحقّقوها في مواقع أخرى ... أو أنهم جاءوا لممارسة الرعي الجائر في أرض كاد أن ينمو فيها نبت طيّب ... أو أنّهم جاءوا ليجعلوا من هذه (المشاريع) إنطلاقة لحملاتهم الإنتخابيّة المقبلة , أو جاءوا (تجّارا) لتحقيق أرباح طائلة ... أفسدوها فانهارت ... اخترقوها فماتت ... جهلوا أحكام لعبتها الجميلة فتعثّرت... , ولكنها ظلّت (أطلاالا) تخلو من كسوتها وعنوانا لأمنيات لم تتحقّق .
أمّا بعض مؤسساتنا الإعلاميّة العامّة أو الخاصّة التي ظلّت تحت سيطرة (أباطرة) أو (مغمورين) فلم تحقّق شيئا سوى الفشل تلو الفشل , ولم يرتادها سوى المحملقين المتأرجحين الذين الذين كانوا يحوّلونها إلى (منامات) تارة وإلى منابر إبتزاز وترزّق تارة أخرى ... منهم من أفشلها وأرهقها , ومنهم من أغرقها (بالمتجوّلين) الذين لا يفرّقون بين المرفوع والمنصوب أو بين التّابع والمتبوع ... بينما ظلّت الأبواب (مغلقة) في وجوه كل الكفاءات التي عانت من الإحباط والتشتيت .
ترى من ينقذ هويتنا الثقافيّة ... وكيف يعود الألق إلى مؤسساتنا الإعلاميّة ... من (يحرّر) ثقافتنا وإعلامنا من (المتكرّشين) وحفّري القبور وتجّر (الأزمات) ؟! .