-1-
قادتني مصادفة الصلاة بمسجد الصالح في صنعاء اليوم، وهو مسجد الدولة الرئيس ، لحضور خطبة وصلاة الجمعة ، لاتفاجأ بان خطيب الجمعة هو الدكتور احمد نوفل الداعية الاسلامي الغني عن التعريف ، وهو شخصية اسلامية معتدلة ، نحى نحو الاكاديمية والدعوة واثر بنفسه عن السياسة التي لا تخفى عليه ابجدياتها ولا تفاصيلها ..
تحسرت ذات مرة بمقال مطول على ما يسمى بقانون الوعظ والارشاد الذي يمنع داعية بمثل احمد نوفل من اعتلاء منابر المساجد في الاردن ، في حين يفسح امام مئات من خطباء ( الحيظ والنفاس ومسح الخفين ) ان يجلدوا الناس بساعات من الخطب التي ليس محلها المنابر..
-2-
الدولة الاردنية التي تلحق (الهاشمية) بمسماها الرسمي ، وهو مسمى نعتز به ، فهو يسقط مفهوم الدولة العلمانية عن دولة دينها الرسمي الاسلام ، وهو حاضر بقوة منذ عهد الملك المؤسس ، ودائما ثمة ذراع اسلامي تعتمد عليه الدولة الاردنية ، شخصيات معتبرة مسكت الذراع الاسلامي للدولة الاردنية منذ تاسيسها ، رغم محاولة بعض العابثين من السياسين التقليل من قيمة هذا الذراع ، لكنه باقٍ رغم عدم ادراك الكثيرين من القائمين على صناعة القرار الطفرة ، لقيمة الذراع الاسلامي هذا ، واعتقد انها من الاركان الرئيسة التي تقف وراء ايدلوجية الدولة قبل السياسة ، ويحضرني اعمدة كبيرة وقفت تحمل هذا الذراع الاسلامي طوال تاريخ الاردن الحديث ، من امثال تيسير ظبيان الذي كان مع الملك المؤسس ، وشخصيات كثير رافقت الملك الراحل ، امثال كامل الشريف واسحق الفرحان ورائف نجم وعبدالباقي جمو واحمد اللوزي، واخرهم في عهد الملك الراحل عبداللطيف عربيات الذي تفرد الملك الراحل بمنحه لقب معالي دون ان يتقلد منصبا وزاريا ، ووصل في احدى دوراته الثلاث التي صار فيها رئيسا لمجلس النواب ، ان المرشح المقرب من الدولة المرحوم عبدالمجيد عبدالله حفيد كليب الشريدة ، تنازل طوعا له عن رئاسة المجلس لابقاء الحركة الاسلامية في دائرة الضؤ في وقت استحال فيه تواجدها في الحكومة بسبب اتفاقية السلام ، وقد اخطأت الحكومة التي تولت الاشراف على انتخابات المجلس النيابي المنحل والمعروف بالظروف التي رافت تلك الانتخابات عندما اسقطت شخصية بحجم عبداللطيف عربيات ، على كل الاحول الذراع الاسلامي لم يغب حتى اليوم وظلت ثمة شخصيات اسلامية تحمله امثال عبد المجيد ذنيبات والشيخ نوح القضاة واخرون ، غير ان الخوف غير المبرر دائما من الايدلوجيا السياسية الاسلامية يدفع بعض المتنفذين في الحكومات الى قهر الرموز الاسلامية الذي اذا صب في مصب معين ، فانما هو عداء للتاريخ والحاضر للاردن قبل كل شيئ..!
-3-
ما زلت اقول ان احمد نوفل هو شخصية اسلامية غنية عن التعريف ، لم يسئ للاردن رغم حضوره الجماهيري خلال اربعين سنة ، امتاز بحضوره الاكاديمي بالجامعة الاردنية ، واثر في اعتداله اشياء كثيرة ، اهمها انه رفض الذهاب الى الجهاد في افغانستان حيث ذهب عبدالله عزام ، وكان له رؤية مختلفة عن تواجد العرب في افغانستان ، وعندما انفتحت شهية الاخوان المسلمين على مجلس النواب بعد اقرار انتخابات عام 89 رفض ان يترشح لعضوية المجلس حيث ترشح اكثر اساتذة الشريعة ، متناسين ان استاذ الجامعةلا يعني بالضرورة ان يصير نائبا ليثبت دوره في المجتمع ، فترشح من اساتذة الشريعة ابوفارس وهمام سعيد و محمد الحاج والكوفخي ومحمد عويضة والعموش والكيلاني ، فيما قال وقتها احمد نوفل انه يرى نفسه في التعليم وليس في النيابة ، ظل احمد نوفل حاضرا بنفس النفس المعتدل الذي نعرفه عنه ، من غير ان ينزلق كما انزلق الكثير من قادة المعارضة الى الاساءة للاردن ، واليوم وهو يخطب من منبر الدولة في صنعاء ولا يتاح له ذلك في عمّان ، قال :\" جئتكم من عمّان البلقاء كما سماها رسول الله..\" ..!
الغريب ان احمد نوفل قبل ان تنفتح الاردن على الديمقراطية كان يقدم برنامجا تربويا اسمه \" احباب الله\" مع الشيخ المقرئ المصري محمد جبريل ، على تلفزيون الدولة الرسمي ، وبعد ربع قرن من الانفتاح اصبح لا يمتلك الا قاعة المحاضرات في الجامعة او منابر الدول الشقيقة او المحطات الفضائية..!
احمد نوفل في حدود معرفتي من المميزين في علم التفسير القراني ، وهو تخصصه الشرعي ، ويمتلك بلاغة نادرة ، تقربه من الشاعرية ، اذكر قبل نحو عشرين سنة وكان من لجنة مناقشة اطروحة ماجستير لصديقي المقيم بامريكا محمد الحايك عن الرحمة في القران الكريم ، استطاع ان يقف على خطاء فادح في الوزن الشعري لبيت شعر تصدر الاطروحة رغم وجود استاذ اخر كبير في المناقشة وشاعر معروف هو الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني ، وكنت بمعرفتي الشعرية على اقل تقدير تفاجئت بنباهة الدكتور نوفل باسقاطه الهمزة من بيت شعر شذ عن التفعيلة العروضية ، وهو اليوم علم بارز اشاهده احيانا كثيرة على الفضائيات ، لا تقل حسرتي عن غيابه عن المنابر الاردنية كوجه مشرق للاعتدال الاسلامي الذي ننشد..!
-4-
==تغيب الاذرع الاخرى بالتهميش==
كل الذين يغارون على هذا البلد ، وربما ازعم انني كذلك ، يشعرون بالاسى تجاه اي تغيب مقصود لاسماء كثيرة لها حضور ايجابي بالدولة ، ولم تسئ قيد حرف لها ، فيما نشاهد باستمرار اسماء مرموقة تقدم للمحاكمة باستمرار بتهم فساد ورشاوى ، واساءة للبلد كان من الممكن اصلا ان لا تكون حاضرة في الوقت الذي نحن احوج ما نكون فيه لاسماء مخلصة مختلفة لا نعرف لماذا لا نجدها اليوم على الساحة في ظل توغل اسماء كثيرة تلمع اليوم وغداء تكون امام ساحات القضاء ، نحن بالفعل اليوم نحتاج لاسماء باتجاهات مختلفة غير حاضرة في المشهد السياسي تشكل اذرعا مهمة للدولة ، احمد نوفل نموذجا اسلاميا ، بينما الناذج الاخرى لا تحصى ولا تعد ، فاين احمد عبيدات واين عبدالله النسور وجودت السبول ،اين عبدالرحيم ملحس واين برجس الحديد ،اين منذر المصري واين عبدالله العكايلة،اين صفوان التل واين ناصر الدين الاسد ، اين خالد الزعبي وابراهيم سعدية ، اين جميل عواد ومحمود الزيودي ، اين القادة العسكرين الذين تقاعدوا باخلاص وما زال لديهم الكثير يقدمونه للموسسة السياسية و المدنية ، اين قادة التيارات السياسية التي خسرت وجودها لخلافات جزئية مع الحكومات السابقة ، اين الاكاديميين والادباء والاقتصاديين الذي لا يحسنون فرض انفسهم على المشهد الراهن ويترفعون عن الولوج القسري فيه ،
واين واين واين ..!
اذرعنا الوطنية حاضرة غائبة لا ندري لماذا..!