ماذا بعد انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية في بيت المقدس ، قبلة المسلمين الأولى ، والمسجد الذي باركه رب العزة في كتابه العزيز حيث قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الإسراء-) وقال الرسول الكريم \" صلى الله عليه وسلم \" لا تشدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، ومسجد الأقصى\" ..!!
وللمسجد الأقصى لدينا نحن المسلمون ، قدسية كبيرة مرتبطة بعقيدتنا الإسلامية السمحاء منذ بداية الدعوة ، حيث يعتبر المسجد الأقصى قبلة الأنبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة . وتوثقت علاقة المسلمين به ليلة الإسراء والمعراج حين أسرى بالنبي محمد \" عليه الصلاة والسلام \" من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وصلى به بالأنبياء ، ثم عرج \" صلى الله عليه وسلم \" منه إلى السماء العليا حيث فرضت عليه الصلاة .
هذا المسجد المبارك والأرض المباركة تستباح اليوم وتدنس من أعداء الإسلام والمسلمين .. ونحن لا زلنا مصرين لا بل متخاذلين مع أنفسنا وديننا ، لا نحرك ساكناً سوى المرور على ما يعرض عبر الفضائيات من فضائع يندى لها الجبين على ما يقوم به الكيان الصهيوني المحتل والمغتصب لأرضنا المقدسة ، لا نحرك ساكناً ، بل السكون توغل في أنفسنا ، حتى بتنا غير أبهين لما يحدث بمقدساتنا الإسلامية ، وغير قادرين إلاّ على الشجب والاستنكار ..!!
إن استنهاض الهمم العربية قادة وشعوبا بات شبه ميئوس منه ، وزمن الهمم الثورية قد ولّى ، وباتت الهمم السياسية على وشك الذوبان ، تائهة بين حالة \" اللاّ سلم واللا حرب \" تارة يجدون أنفسهم في مرحلة سلام وعلى الأغلب دائماً تكون من طرف واحد هم \" العرب \" وتارة أخرى يجدون أنفسهم في مرحلة حرب ، وعلى الدوام طرفها الأوحد \" العدو الصهيوني المتغطرس \" ....!!!
فبشاعة الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ، وجراح غزة الأبية التي لم تلتئم بعد من غطرسته هذه .. وأعمال القتل والإرهاب التي لم يتوانى في إيقاظها صباح مساء على إخواننا في الضفة الغربية ، والترهيب والتهجير القسري الذي يقوم به على أهلنا في القدس وأكنافها ، الذي يراد منه تفريغها من الروح العربية الفلسطينية وتهويدها بالكامل ، لخوفهم من ثورة هذا الشعب المكلوم ذات يوم \" قادم بإذن الله \" ، لا يستطيعون إيقافها ، ولا يعلمون أن قوة الله تعالى وإيمانهم به هيّ سرّ صمودهم وتمسكهم بما تبقى من ثرى فلسطين .. !!.
والتهديدات الصهيونية للمسجد الأقصى وافعلها الخارجة عن الأعراف الدولية في احترام المقدسات ، ما هيّ إلاّ تذكيراً غير مقصوداً لإيقاظ الضمير العربي الذي لم يزل في غفوته ، و بما يدور على الساحة الفلسطينية من آلام وأفعال وحشية يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الأخوة تحت نير الاحتلال ، و دق جرس الإنذار لما يقوم به المحتل من أفعال التهديم في أكناف بيت المقدس .. ولعلّ جرسه يُسّمع الضمير العربي و القادة العرب وشعوبها لِتَصحُ من غفوتها التي ما أن تفيق لتعود إلى غفوتها من جديد .. !!
قد يكون ليس بأيدينا الآن القيام بما هو أكبر من القلم واللسان في الدفاع عن ما يحدث من إجرام صهيوني بغيض بحق المسجد الأقصى بشكل خاص والقدس بشكل عام ، إلاّ أن هذا لا يعفينا كأمة إسلامية أولاً وعربية ثانياً ، من أن نعد العدة في ذاتنا بدايةً من حيث التعبئة لداخل ضميرنا الثوّري وأن نعدّ العدة ونعتدّ ، وبكل ما تعني هذه الكلمة من معنى .
وكما قال تعالى } وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون { \" صدق الله العظيم \" .
ومما يُؤسف عليه ، أن الدولة الصهيونية ومنذ دخولها أرض فلسطين الأبية ، على أيدي المستعمر البريطاني ، لم تتوانى في تفسير الآية وتطبيق ما تضمنته هذه الآية الكريمة من توجيه للمسلمين ، فأخذوا منها كل ما عنته الآية من حكم الحروب ، فراحوا يعدّون العدّة وبكل صورها التي من الممكن أن تجعلهم قوة عظمى في المنطقة ككل ، أو حتى على مستوى العالم ( وها هيّ اليوم ) ...!!!
ومنذ ذلك التاريخ ونحن كأمة إسلامية وعربية ، أخذتنا غفوتنا ، حتى بتنا أشبه \" بأهل الكهف \" الذين راحوا في غفوتهم زمناً طويلاً ، تطوّرت الحياة من حولهم وهم لا يزالون غرقى في نومهم . وأمتنا العربية ما هيّ إلاّ كذلك الآن ، لا زالت تغرق في نومٍ طويل ، وقد يطول نومها أكثر فأكثر ، ما دمنا نحفر لبعضنا بعضاً ، حتى أصبحنا لُقمةً سهلةً ومستساغة في فكِ بني صهيون ، يلوكونها كما يحلوا لهم ، تارةً يُمنى و يُسرى تارةً أخرى .. إلى أن أصبحنا على أبواب بلعومهم ، يبتلعوننا أولاً بأول ، وما يصعب عليهم هضمه ، وسائل عديدة أعدوها كيّ يفتتونا كيفما شاءوا ..!!!
هذه هيّ أمتنا .. فكيف لنا أن نُحرِرَ الأقصى أو أيّ شبر من أراضينا العربية المحتلة ، ونحن لا زلنا نبحث عن مناصب وكراسي والتي لو دامت لغيرنا ما آلت إلينا ..!!
فلله الأمر من قبل ومن بعد .. فكما للكعبة المشرفة ربٌ يحميها .. فللأقصى ومن حوله ربٌ يحميه ..!!!!
م. سالم أحمد عكور akoursalem@yahoo.com