يصادف الثامن من آذار من كل عام الاحتفال بيوم المرأة العالمي .. فقد أصبح ذلك تقليداً سنوياً بدأ منذ أكثر من مائة عام .. عندما خرجت عام1857م جموع من النسوة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية بمسيرات احتجاجية يطالبن فيها بتحديد ساعات العمل .. وعدم استغلالهن على حساب وقتهن وجهدهن .. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المرأة والعمل يحظيان باهتمام جميع المنظمات والهيئات الإنسانية والأممية .. حيث أصبح الاهتمام بالمرأة وتمكينها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعتراف بمكانتها ومساهمتها الفاعلة في الحياة العامة .. وإيجاد عدالة اجتماعية متوازنة بين أفراد المجتمع مطلبا إنسانيا وضرورة ملحة لتحقيق أفضل المكتسبات التي تمنحها حقوقها وديمومة عطائها .
وبذلك لا بد لنا من وقفة نستذكر فيها شقيقة الرجل وشطر بني الإنسان .. فهي الأم .. والزوجة .. والبنت .. والأخت.. والعمة .. والخالة .. والحفيدة .. والجدة.. ولا شك أن أسلافها من النساء في امتنا المجيدة .. كن من أعظم أسباب تبوّء هذه الأمة مكانتها العريقة .. ولقد كرمها رب العزة والجلال في ديننا الحنيف وجعل لها مكاناً في التكليف والتشريف.. لتبقى حرماً مصوناً وعرضاً طاهراً ورحماً عزيزاً وجوهرة مكنونة.. وقد شرع عز وعلى لها من الأحكام وأعطاها من الخصائص والمميزات ما يليق بها ويناسب فطرتها لتبقى معتزة بنفسها ..قدوة صالحة لأبنائها وبناتها فخورة بتراث آبائها وأجدادها الغرّ الميامين.
إن المرأة هي روح المجتمع وبدونها يصبح المجتمع أحادي القطب .. وبمعنى آخر فإن تطور المرأة هو الذي يقضي على آفات التخلف.. ذلك أن المرأة - شئنا أم أبينا - هي المقياس والمعيار الأساس في تقدم المجتمعات البشرية..
نحن هنا في الأردن .. أردن الخير والعطاء .. نرفع بطاقة تقدير وإكبار لكل النشميات في مختلف مواقعهن .. في المدن .. والقرى .. والبوادي .. نحيي فيهن عزمهن وإصرارهن لنيل حقوقهن كاملة .. دينياً ودستورياً وقانونياً .. لنعمل جميعا على إبراز منظومة التحديات التي لا تزال شرائح عريضة من نساء العالم يشعرن أنهن يواجهنها على كافة الأصعدة الحياتية.. وفي المقابل استعراض الإنجازات والمكتسبات التي حققنها .. أو أهداف من المؤمل تحققها .
في هذا السياق، لا أحد ينكر أن النشمية الأردنية في ظل القيادة الهاشمية الفذة وباهتمام خاص من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وجلالة الملكة رانيا العبد الله والأمراء والأميرات الكريمات قد حققت إنجازات ومكاسب كثيرة في العديد من المجالات.. كما وأنها قد أخذت تنطلق إلى آفاق واسعة ورحبة في العمل الدؤوب خدمة لقضايا وطنها وأمتها .. وهي انطلاقة تقضي على بؤر التباين والتفاوت في المكانة والحقوق العامة بينها وبين الرجل..على خلفية عدد من اعتبارات .. لعل أهمها التعليم .. والمكتسبات الثقافية واتساع مساحة الوعي العام.. وبهذا الصدد لا يمكن الإغفال عن منظومة الموروث العقائدي التي تلعب دوراً هاماً في ذلك .
لقد بلغت النشمية الأردنية مراكز متقدمة في الدولة الأردنية الحديثة .. وعلى مختلف الأصعدة وشتى الميادين .. وباتت تمتلك تاريخا حافلا بالانجازات والإسهامات.. بفضل جهودها المتواصلة لإثبات ذاتها .. فساهمت بالنهوض بالوطن والمواطن والمجتمع بأسره.
فقد اصبحت اليوم تمتلك الكثير من المقومات القيادية التي تجعلها شريكا فعالا ومؤثرا في المجتمع .. بالإضافة إلى قدرتها المتميزة على تبوؤ أعلى المناصب.. فهي اليوم وزيرة وقاضية وسيدة مال وأعمال.. مع احتفاظها بدورها الطبيعي ومهمتها الأولى في رعاية الأسرة..
إنه لمن واجبنا في اليوم العالمي للمرأة .. التعمق والتحليل لما حققته النشمية الأردنية من إنجازات ورصد لتطلعاتها.. فالمرأة كيان إنساني طموح .. خلقها الله سبحانه وتعالى بحكمة لتحقيق أدوار متعددة .. قدرها كإنسان .. ودورها كأم .. و ككائن اقتصادي.. وسياسي واجتماعي.. وتلك أدوار معقدة ويجب عليها أن تقوم بها مثلها مثل الرجل.. ومع ذلك فقد تجددت أدوارها بحسب الزمان والمكان وظروف الحياة المختلفة.
لذا أصبح لزاماً الاهتمام بالمرأة ومكانتها السامية التي خلقت من أجلها وإعطاؤها أدواراً تتناسب مع متطلبات العصر الحديث .. وفرصاً أكبر بالمشاركة السياسية والاجتماعية.. لتمثيل مناصب قيادية عليا.
لقد تنامى دور المرأة واتسعت مشاركتها في مختلف مناحي الحياة.. وما تحقق للمرأة في هذا البلد الطيب بأهله على الصعيد الاقتصادي إلى اليوم يعد مكسباً ونجاحاً لها في ظل التوجه العام للحكومات المتعاقبة . والتشريعات التي تم وضعها.. في إطار البرامج الحكومية التي ساندت طموحاتها .. فقد تمكنت المرأة من ممارسة أنشطتها الاقتصادية كما استطاعت أن تضع لنفسها كياناً مستقلاً يمثل هويتها الاقتصادية.
كل هذه الحقوق منحها الدستور للمرأة الأردنية فقد تمكنت المرأة من خوض الاستثمار وممارسة الأعمال والأنشطة التجارية حتى أصبحت تنافس أخاها الرجل في العمل التجاري وتقدم خدمات للمجتمع.
أما على الصعيد السياسي والاجتماعي فقد حققت حضوراً ملموساً وجدياً في مختلف الظروف التي مر بها المجتمع واستطاعت اقتحام أبواب المشاركة الفاعلة للقيام بدورها في عملية التنمية والبناء .. واستطاعت أيضا أن تجد لها مكاناً في المجال الاجتماعي والاقتصادي، فنراها سيدة أعمال وطبيبة ومهندسة وتربوية ومصرفية وفي كافة القطاعات الإنتاجية والحيوية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني.
لقد حصلت المرأة على الكثير من الحقوق القانونية والمكتسبات.. مما سيمكنها من أخذ نصيب كافٍ من الوعي والثقافة وبما يؤهلها لتحمل مسؤوليتها. وامتلاكها لمساحات كافية للتعبير عن الرأي والانتقاد البناء الهادف ودخولها في المعترك السياسي والديمقراطي كمرشحة وناخبة.. وربما الأيام القادمة ستجعلنا نشاهد مشاهد ديمقراطية تنافسية في الانتخابات النيابية والتي ستجرى في الربع الأخير من هذا العام بما يضمن مشاركتها على عدد كبير من المقاعد النيابية .
إن المرأة هي الأكثر ملامسة لهموم المجتمع وهي أيضا القادرة على طرح أفضل الحلول التنظيمية والمناسبة لها.. وهذا الأمر بحاجة إلى وقفة حقيقية خصوصا أن المرأة الأردنية مثقفة ولها تجربة تعليمية طويلة حيث تمكنت من إثبات كفاءتها وجدارتها في المناصب القيادية التي تقلدتها .. رغم التفكير النمطي الذي يتبعه البعض عند ترشيح المرأة إلى منصب قيادي معين فقد تسبب هذا في الحد نوعا ما من تشجيع المرأة على إثبات قدراتها وتميزها .
إن نشمياتنا الأردنيات لا يتحرجن من القبول بأي عمل شريف .. بل إن سعيهن وباستمرار إلى الإبداع في أيه مهمة تناط بهن مهما كانت بسيطو أو معقدة .. وهذا الأمر لا يقتصر على المرأة العاملة فقط .. بل يمتد إلى ربة البيت التي تتجه إلى إتباع أساليب مختلفة لتطور ذاتها وفي مختلف جوانب حياتها .. لتكون عنصرا فاعلا في مجتمع الوحدة والحرية والحياة الفضلى .. مكملةً لنسيجنا الاجتماعي المتآلف بشكل يمكنها من أداء رسالتها في الحياة .. باذله كل جهد لتكون بعيدة عن العنف والاضطهاد الذي يأسر أغلب المجتمعات النسائية وخاصة العربية منها .. بل وتسعى إلى تثقيف نفسها بقدر الإمكان لتكتسب مهارات التعامل المميز مع الآخرين بكل جرأة وموضوعية وبأسلوب حضاري لتثبت للجميع أن المرأة الأردنية راقية .. مبدعة على الأصعدة كافة.
تهنئ كل نشمية أردنية بيوم المرأة العالمي .. فنحن دائماً فخورين بها .. وتشكرها للمجهود الطيب الذي تبذله من أجل رفعة وسمو وطننا .. وطن التسامح والوسطية والاعتدال .
فهي مبعث فخرنا .. وهي نصف المجتمع فكيف وهي تلد النصف الآخر منه .. فهي فعلا كل المجتمع ..
وأيضا يجب أن نثمن دور اتحاد المرأة الأردنية والأخوات الناشطات اللواتي يعملن بكل همة ومسؤولية لرفعة شأن المرأة الأردنية على مختلف الأصعدة وعلى كافة المحافل الميادين المحلية والدولية .
ولا ننسى صاحبة الفضل الكبير سيدتي صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد لله المعظمة والأميرات الكريمات على ما يبذلنه من جهد من أجل رفعة وتقدم المرأة الأردنية والحفاظ على مكتسباتها وتهيئة كل الظروف من أجل رفعة شأنها وتقدمها وتطورها .
وفقنا الله جميعا لأردن النشامى ولتبقى راياتنا عالية خفاقة بقيادة صاحب الجلالة فارس بني هاشم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم .
دمتم ودام الأردن عاليا بسواعد أبنائه الأخيار
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com