زاد الاردن الاخباري -
رغم الحداثة والتطور الهائل اللذين طالا تقنيات الأسلحة والذخائر، إلا أن محمود الطيب ما يزال يحتفظ بمهنته التي ورثها عن والده الشيخ رشيد منذ أربعة عقود.
ويلوذ الطيب، أقدم تاجر سلاح في منطقة وسط البلد في محله، يحرس ذاكرة هذه المهنة، ويواكب تطورها في مكان احتل ركنا في شارع الملك طلال، ويستقبل زبائنه بشكل يومي, ولسان حاله يروي قصة الإخلاص لإرث عتيق.
الثمانيني أبو فوزي، القابع في مكانه منذ أعوام طويلة، وأصبح رفيق الباحثين عن أنواع قديمة من الأسلحة، ومن تهمهم مواكبة الجديد في صناعتها، يؤكد أن من يختار هذه المهنة يكون رهينة لخياره الصعب، الذي يتطلب مواصفات شخصية مناسبة، تؤهل صاحبها للإبداع فيها وعلى رأسها حسن السيرة والسلوك والتقيد بالقانون.
وتخضع آلية بيع السلاح، التي لم يطرأ عليها تغيير، كما يقول، لخطوات ضرورية، إذ يتم أولا التأكد من الهوية والرقم الوطني للشخص الذي ينوي شراء قطعة سلاح معينة، وترسل الأوراق هذه إلى الجهات المتخصصة، لأخذ الموافقة، ومن ثم تتم عملية البيع.
وعن الذخائر المستخدمة للسلاح، يؤكد الطيب أنها تباع بالطريقة نفسها ووفق القانون، مؤكداً أن الأسلحة الاتوماتيكية يمنع بيعها في محلات السلاح لأسباب أمنية وقانونية.
وللقانون دور مهم في رعاية المواطنين وحمايتهم من الجرائم، وفق قول الطيب، الذي يوضح أن محله يوفر أسلحة متنوعة من الخنجر القديم وحتى البارود والمسدسات، مبينا أنه كلما مضت أعوام على تاريخ صنع السلاح ارتفع سعره، إذ يصبح تراثاً يفضل شراءه الكثيرون للحفاظ عليه.
والولايات المتحدة من أكثر الدول التي يجلب منها الطيب الأسلحة المتواجدة على أرفف محله؛ لأن منتجاتها أكثر جودة وضمانا، على حد تعبيره، وتليها يوغسلافيا والتشيك وسلوفاكيا وروسيا وتركيا وقبرص.
ويميز الطيب جودة السلاح من خلال بلد المنشأ؛ فالبندقية الايطالية المستخدمة للصيد تعد من أجود الأنواع، على حد تعبيره.
ويذهب إلى أن السلاح يمكن أن يدوم إلى الأبد، إذا ما تم الاعتناء به بطريقة صحيحة، موضحا أن الجودة تلعب دوراً في ذلك أيضا، ومن بين الأسلحة المعروف عنها بأنها تدوم لدى الكثيرين "ويبلي" و"سمنت اند لوسن".
الطيب، الذي ما يزال ينظر إلى وسط البلد على أنه المنطقة الأم التي حملت كل معالم الازدهار والحداثة وتتمتع بالحضارة والتطور، يشير إلى أن الناس في حقبة الاستعمار كانوا يرغبون باقتناء السلاح لحماية بيوتهم وأرضهم، بالإضافة إلى سعي شيوخ العشائر في تلك الفترة لتسليح أفراد قبائلهم لحماية الأراضي والأعراض والحلال.
ومن أبرز تلك الأسلحة التي ما تزال تتوفر بمتاجر الأسلحة بواريد الصواري الألمانية والعصملية التركية، والمسدسات من ماركة "ابوعجلين" و"الباربيلو" ومسدس الطاحونة "ابوصندتين" و"المنشر" الالماني و"الماوزر"، وهي صناعات ألمانية وفرنسية وبلجيكية وإنجليزية وتركية.
ويعود بذاكرته إلى تلك الأيام، عندما كان سعر البندقية آنذاك يتراوح بين 10 و15 دينارا، ويتضاعف سعرها ثلاث مرات عند الحروب، مشيرا إلى أن الناس كانوا يبيعون أغنامهم وبعضا من مقتنياتهم لشراء السلاح، كونه من تقاليد الزي البدوي ولاستخدامه كذلك في الحماية.
وطرأ التغيير على سعر السلاح اليوم، كما يوضح الطيب، إذ تبدأ الأسعار من 100 دينار وتصل أحياناً إلى آلاف الدنانير، مشيراً الى أن أكثر الفئات التي تقوم بشراء السلاح هي فئة الشباب.
ويردف، والابتسامة تعلو محياه "تمر علينا بعض النساء من عام إلى آخر، وترددهن ضعيف بشكل كبير".
وكان يتردد على المحل وزراء ومسؤولون كبار، منوها إلى أنه في الأعوام الماضية كان اقتناء السلاح أمرا مهما بالنسبة لهؤلاء.
ولم تعد تجارة السلاح مربحة، وفق الطيب، الذي يعترف بأن سعر السلاح يرتفع من قبل الدول المصنعة كل عام، وأصبحت تكاليف استيرداه كذلك مرتفعة بعد فرض أكثر من ضريبة عليها.
ويعترف الطيب أنه اكتسب القوة والثقة بالنفس من والده ووالدته أيضا، فيقول "لم تثن والدتي حالة المخاض أثناء وضعي، عن إنجاز عملها في جمع الحطب، وعند عودتها إلى البيت وهي تحملني بين ذراعيها والحطب على رأسها، سألها والدي ما هذا؟ فقالت: جئت لكم برَجُل".
وأبو فوزي، الذي عشق مهنته، يؤكد أنه سيورثها لأبنائه، للحفاظ على هويتها ومنعها من الاندثار.
ويستقر الوطن بين ثنايا روح أبو فوزي، ويذهب إلى أن البلد واستقراره يعنيان له الكثير، مضيفا "خلقنا هنا وترعرعنا في هذا البلد المعطاء، والانتماء الحقيقي هو الاستمرار في عشق تراب هذا الوطن".
sawsan.moukhall@alghad.jo
سوسن مكحل - الغد