مرت الايام والسنين من حياتنا والأجواء مسممة والهواء ملوث بروائح قبيحة من مخلفات الفساد، وشاهدنا الفاسدين يتنقلون بيننا مثل الاشباح حتى ظننا أنهم عمالقه، فتمكنوا من الوصول للسلطة والسطو على مفاصل هامة في الدوله، ومُنحِوا الثقة المطلقة ومن اعلى المستويات، فخانوا الامانة والعهود وحنثوا بالقسم واليمين وخانوا الوطن وشعبه وثقة قيادته، واستغلوا سلطتهم ونفوذهم أسوء استغلال، وبعد ان تمكنوا كشروا عن انيابهم، فافسدوا علينا كل شئ، نعم فهم من خطفوا الحليب من أفوه طفالنا وملعقة الدواء من فم كل عليل، ولقمة الخبز اليابس من فم الفقير واليتيم، فعّلوا البنيان وضخموا ارصدتهم، نهبوا وسلبوا خيرات الوطن، باعوا ارضها وتعب السنين عرق الاباء والاجداد، نشروا امراضهم المعدية واحقادهم بين الناس، من أجل مصالحهم الضيقه دون ذمة ولا ضمير .
تفاقم الوضع ووصل السيل الزبى، حتى خرجوا ابناء شعبنا افراد وجماعات تلبية لنداء الوطن، لتخليصه من طغمة فاسده نهشت جسده، فلبوا النداء، وما دار ظهره للنداء الا كل فاسد وفاسق ومفلس ومتكسب، فخرج شعبنا في مظاهرات واحتجاجات في كل المحافظات من أجل تنظيف الوطن، فخصصوا يوما للمناداة لتنظيف مؤسساتنا ، حتى اصبح يتكرر كل اسبوع ومتد شهور، ولتخليصه من كل الاوساخ والقاذورات التي خلفها الفاسدون بعد هذا الخراب والدمار الذي احدثوه في البلاد، تاركين خلفهم أفراد ومؤسسات ضحايا اما نهبوها او افسدوها .
تعاقبت الحكومات، تبدلت فيها وجوه الوزراء وتنوعت ولم يتغير شئ على الارض، الا قليلا منهم قاوموا الفساد واغراءات الفاسدين وبذلوا ما استطاعوا رغم قسوة الظروف التي احاطت بهم، وأما البقيه الباقيه، فبدلاً من محاربتهم للفساد، فتحوا لهم الابواب اكثر، من ترتيب صفقات وهميه ومع شركات يملكها اشباح، فارتفعت المديونيه بدل ان تنخفض، ونهبت المؤسسات، وبيعت الاراض باطنها وما عليها، وفقد المسؤول رونقه وحضوره، حتى هيبة الدولة نهبت.
وبعد هذا المخاض العسير واليأس والاحباط الذي ظهر على الوجوه، والخوف من المستقبل المجهول وبترقب بحذر، فيه بصيص أمل لما سيحصل، حتى جاءت المبادره من جلالة الملك، بتكليف القاضي الدولي لتشكيل حكومة الامل ولتكن الطلقة الاخيرة كما كان يراها شعبنا وستبشر خيراً، فأصبحنا قاب قوسين، فإما الى الفناء لا سمح الله، والسير بالوطن الى المجهول، واما الى اصلاح شامل وتخليص الوطن من الفساد ومسببيه، ونخرج بعون الله بأردن نظيف نظافة قلوب شعبه ،وطنا كبير بهامات نشاما ونشميات الوطن .
منحت حكومة القاضي لنفسها الوقت لوقفة تفكر وكأنها تقول من أين نبدأ؟، ونحن ننتظر بترقب شديد لما سيتمخض عن هذه الحكومة، حتى بدأت بفتح بعضا من ملفات الفساد ونحن نأمل باستكمال فتح ما تبقى، فما لبثت أن تبدء، حتى بدأ اركان الفساد حملتهم بمحاولة التلاعب بعقول ابناء شعبنا الطيب، "وخلط الحابل بالنابل"، لازاحتهم عن سكة، فتارة باثارة الفتن العشائرية ضد الاصلاح أو تحويلها الى امور مطلبيه، لتقزيم طموحاتنا واهدافنا في الوصول الى الاردن الذي يريده شعبه، وهذا ما يُحملنا المسؤولية القصوى بأن لا نفوت هذه الفرصة التي لا تتكرر، للقضاء على الفساد والمفسدين، والسير قدماً في مسيرتنا، لا لشيء إلا لإيماننا بأن لدينا مصلحه وطنية كبرى وشعارنا اصبح واضح فبعد الله تعالى "الوطن اولاً والوطن أخراً"، هذا اذا كنا صادقين في طروحاتنا وغاياتنا لبناء دولتنا ومؤسساتها وبناء جسور الثقة بين المواطن والمسؤول من خلال توفير العدالة واعادة هيبة دولة، ويعم الخير على الجميع، وهذا يتطلب جهد كبير من كل ابناء الوطن وفي كل المواقع، ولا شك باننا لسنا ملائكة ولا شك بأن كل منا ربما قد مسه خطأ أو وقع علية ظلم أفراداً وجماعات، وهذا كله بسبب ما اصاب الوطن، فأذا تعافى الوطن تعافى كل فرد منا .
اصبح مطلوب الآن، ان نكون على درجة عاليه من تحمل المسؤوليه الوطنيه، فمافيا الفساد ليست سهله بل مرعبه وأدواتها خبيثه ومتنوعه لكنها جبانه، لذا فعلينا التفكير العميق بكل ما يدور من حولنا، وتدقيق كل ما ينشر وكل ما من شانه ابعادنا عن الهدف الاساس والتفكير بكل خطوة نخطها لتكن الى الامام .
ويقولوا اصابنا الاحباط فأين الدولة، ونعرف بأن هناك اخطاء وتقصير في كل المواقع وهي كثيرة ومتنوعه، ولكن يجب التخلص منها، ونكسر وننكس اعلام الفساد الاكبر أينما كانت، ونقلعها من جذورها ونطهرها، بعدها يسهل الوصول الى الفاسدين الصغار بأعمالهم وقاماتهم وأخلاقهم، وعندها تعاد الحقوق الى اصحابها ويرفع الظلم عن الجميع، فلنكن كلنا يداً واحده متماسكين ويجب أخذ الحذر وكل الحذر والعظة والاتعاظ من العلقم الذي تذوقناه وما زلنا نتذوقه، ونعمل لليوم الذي نقول فيه انها حقبه مضت وانتهت ونرجو الله ان لا يعيدها .
حما الله اردننا الغالي ووحد كلمة شعبنا لما فيه الخير، وخلصنا من كل فاسد ومنافق ... والله ولي التوفيق .