رئيس الحكومة يُرسل رسائل جيدة.المشكلة هي في تناقض الرسائل بين مايُرسله رئيس الوزراء ومايُرسله وزراء احيانا او موظفون من درجات عليا.
مثلا يتحدث رئيس الوزراء عن التقشف وشد الاحزمة وترفض حكومته حتى الان اعادة مائتي عامل مياومة الى وزارة الزراعة بذريعة عدم وجود اربعمائة الف دينار كمخصصات سنوية للرواتب في المقابل تأتي احدى الجهات شبه المستقلة فتشتري خمس سيارات فخمة بقيمة تصل الى نصف مليون دينار لاعضاء الهيئة.كيف سُيصدق الناس عندها ان هناك ديونا ومشاكل وعجز ويشارك هؤلاء في قصة التضامن مع الوضع العام.؟؟؟
يأتي رئيس الحكومة ويقول في مؤتة الكرك لمن يشكو اليه المصاعب المالية "لاتشكيلي ببكيلك" دلالة على وضع الحكومة الصعب ماليا واقتصاديا.ونحن نُصدقه ، لان القصة قصة ارقام.في المقابل يشتري "وزير" سيارة فاخرة بقيمة مائة الف دينار ويزيد ، وفي المقابل يتم تعيين موظفين برواتب خيالية ، وعقود يسمع بها الاردنيون في احلامهم.كيف سُيفسر الاردنيون التناقض في الرسائل ، وكيف سنقنعهم نحن اذا كان هذا دورنا اساسا بوجود اولويات وظروف صعبة وهم يسمعون ويرون حكايات تُروى كل يوم تدل على ان هناك من يعيش في الادارة الحكومية او اذرعها ويتصرف بطريقة مناقضة للخطاب الرسمي ومُحرجة لذات رئيس الوزراء وكأنه في واد ومن حوله وحواليه في واد اخر.؟؟
انموذج ثالث لقيام وزارة بشراء عشر سيارات جديدة واستلامها تم هذا العام برغم انها مُقرة من العام الماضي وقد كان بالامكان التراجع عن الشراء او استبدال النوعيات او اللجوء الى اي وسيلة بديلة هذه رسالة سلبية في عز رسائل الرئيس التي تعكس قلقا من الوضع الاقتصادي وتخوفا مما هو مقبل وآت. شراء عشر سيارات يقابله غرق الموازنة في الديون والتحشيد لقرارات صعبة لحماية الخزينة وفقا للمنطوق الرسمي كيف سُيصدق الناس هنا ؟ وعند اي رسالة سيقفون من الرسائل التي تصل بريدهم؟؟
رئيس الوزراء غيّر في تكتيك ادارته لموقعه بشكل ايجابي خلال الايام الماضية ، فمن دمج المطبوعات والنشر مع وزارة الثقافة ، الى التعديل على قانون المطبوعات بحيث لايحاكم الصحفي الا امام محاكم مدنية ، الى زيارته للاغوار الجنوبية ، ومشاهدة ماتعانيه من مشاكل ومصاعب.هناك خط بياني جديد بدأ يتضح بشكل مغاير لبعض اشارات الاسابيع الاولى.وهذا الخط واجب التشجيع.ليس لاننا ننقلب على مواقفنا الناقدة ، ولكن لاننا لانمتلك اجندة محددة مُسبقا بالنقد والهجوم ، وعلى هذا نُشجع الرئيس على هكذا خطوات ، التي اقلها الانفتاح على الناس ، والاطلاع على الواقع في المحافظات ، ومعرفة الذهنية العامة ، ومصالحة قطاعات كثيرة ، بدلا من الحروب المجانية التي يتم جر الحكومة اليها.
احد ابرز المشاكل اليوم هي قصة تناقض الرسائل والاشارات ، امام جمهور مُتنبه وذكي وحساس ، ومايتوجب على رئيس الوزراء فعله ، هو منع التناقضات في الاشارات والسلوك ، حتى لايأتي من جهة من يقول ان لامال لدينا لتعيين مائتي عامل مياومة ، ثم تطلع جهة اخرى مهما كانت صفة استقلالها المالي والاداري لتشتري سيارات فاخرة تفوق رواتب العمال المساكين ، والامر ينطبق على ماتفعله كل الجهات والهيئات الحكومية المستقلة وشبه المستقلة ، وحتى تلك التي تتلقى تمويلا غير حكومي لكنها تمثل صورة حكومية بشكل او اخر.من اضر بالحكومة كثيرا في اسابيعها الاولى ، ليس الذين انتقدوها ، بل اولئك الذين لم يُصدقوا ان الدنيا تغيرت ، وان الظرف صعب جدا ، بما في ذلك قرارات حكومية تشي بالتقشف من جهة ، لكنها في زوايا اخرى تتصرف وكأن الدنيا "قمرة وربيع".
mtair@addustour.com.jo