مثل (الخبيزة) و(الفيتة) و(المرّار)
كانوا ينبتون مع آذار في باحات الحارة وقرب (السناسل) وخلف الاسيجة،وبين
البيوت المهجورة، أصواتهم زقزقة شهية ترفرف فيها البراءة ، وصيحاتهم آذان
للطفولة..
أحد لا يعرف متى وكيف يبدأ موسم (الدواحل) والمتعارف عليها رمثاوياً
بـ(المازيات) - مع تضخيم الزين في الكلمة- ولا حتى سيارات (الشرطان) ولا
(الكريزيّات) ولا (عربات البيليا).. فليس هناك روزنامة للشغب واللهو، ولا
مواقيت كونية لمزاج العصافير..
كنّا نراقب الشتاء من النوافذ العالية عندما يكفكف مزاريبه ،وتلم الغيوم
آخر أضابيرها في نهاية دوام شتوي طويل، وتسطع الشمس فتبدو أكثر هيبة وجرأة
في سماء أكثر زرقة ، نعلن الأرض ساحتنا، نحتلها بأظافرنا ونحفر فيها خنادق
المنافسة وشهوة التخيل.. جيوب ممتلئة ،وأصوات كرات الزجاج بالجيوب ترن
كأجراس مسائية عند المشي السريع ، بناطيل مرقعة (ساحلة) مثقلة بغنائم
الفوز ، وفردة جوارب محشوة برصيد كبير من (الدواحل) تخبأ بين أحجار
السناسل....ظهور صغيرة مكشوفة، وتركيز عالٍ بإدخال (المازي/ الدوحل) في
(الجورة) التي حفرت بأصابع جوعي للّعب...عبارات اتهام ، ووشاية ، و(مقاهرة)
تنطلق بين المنافسين..(انت زغّاي)..(مطّيت ايدك)..(وحياة الله ما مطّيت) ،
(دقّة مزطة) ، (فلان سرق) ، (ما فيش تعيد)، (انا مازيي مقّيع)- وتعني كلمة
(مَقّيع) مع تشديد القاف: كثير الصيد - أي يعزون سبب ربحهم لطبيعة
(الدوحل) وليس لمهارة اللاعب..وغيرها الكثير، ولضمان موسم أطول دون (هوشات)
و(فشخات)، غالباً ما كان يتم لعب (الدواحل) على مبدأين؛ الأول:(عن حقّه)
أي من يخسر (دواحله) لا تعاد اليه(بمعنى )رأس المال متغير(..والثاني: (عن
كذبة) حيث كانت تعاد (الدواحل) في نهاية اللعبة الى أصحابها بمعنى(رأس
المال ثابت).
بعد نهاية موسم (المازيات) يبدأ موسم سيارات (الشرطان) :حيث يقوم الأطفال
بتصنيع هياكل سيارات مختلفة الأحجام والاشكال، من اسلاك الحديد
الطرية..ويقومون بتحريكها يدوياً من خلال مقود طويل.
يليه موسم (الكريزيات) حلقة دائرية معدنية واسعة ..أشبه (بجنط الدراجه
الهوائية) يتحكم بها قضيب حديدي معقوف أثناء جريان الطفل خلفها..
وأخيراً موسم (عربات البيليا): قطعه خشبية مستطيلة تتسع لطفل واحد ، لها
عجلات معدنية أربع ، يقودونها على الأرصفة ويركبونها في المنحدرات ..
كل مساء أقف بباب بيتي ، أتفرّج على حارتنا العتيقة ..اتذكر اجراس الطفولة:
صيحات الأولاد ، (المازيات) ،(سيارات الشرطان) ،(الكرّيزيات)
و(البيليا)..أتفقد ساحات الحارة وأنظر قرب الأسيجة، و بين البيوت المهجورة
...علّي اشاهد طفلاً برّياً واحداً يحفر خندق لعبة بأظافره ،فلا أجد..
***
في هذا الزمن (الديجتال)..لدينا أطفال وليس لدينا طفولة...
ahmedalzoubi@hotmail.com