تواجه حكومة سمير الرفاعي تحدّي إقناع الرأي العام المحبط بأن لجوءها
لاستصدار قوانين مؤقتة بالجملة في غياب السلطة التشريعية يحقّق مقتضيات
اتخاذ تدابير لا تحتمل التأجيل لضمان تنفيذ خطط تحديثية طموحة بعيدا عن
طغيان الأهواء السياسية والفتاوى القانونية المستجيبة لرغباتها.
لعبة التوازنات الدقيقة هذه باتت ضرورة لكي لا تصبح ممارسة الحكومة في واد
وما تقتضيه مفاهيم النظام البرلماني للنصوص الدستورية في واد آخر, بسبب
ضعف, وأحيانا غياب الرقابة النيابية-الإعلامية على السلطة التنفيذية إضافة
لتنامي ظاهرة تستّر الحكومات خلف الملك عبدالله الثاني في السنوات الماضية.
في البال ما حصل عندما حل مجلس النواب أيام حكومة علي ابو الراغب ما بين
منتصف 2001 و 2003 لتصدر 216 قانونا مؤقتا بحسب ساسة ورجال قانون. سيل
القوانين المؤقتة تلك شكّل سابقة في تاريخ الحكومات الاردنية وأضر بصورة
الأردن كدولة تتجه صوب خيار الديمقراطية ونهج الحاكمية الرشيدة.
تزداد أهمية طمأنة العباد مع تبلور تساؤلات مشروعة في الأوساط السياسية
والشعبية حيال قرار حل مجلس النواب, "ربما الأكثر مطواعا" منذ عقدين, من
دون أي تبرير, وبعدها تأجيل الانتخابات على وقع وعود بإجرائها قبل نهاية
العام, مثلما حصل قبل حوالي عشر سنوات من تعطيل للحياة النيابية من دون
إبداء الأسباب (مع أن قرار الحل يبقى من صلب صلاحيات الملك الدستورية).
تظل هناك تكهنات لدى ساسة ومراقبين بأن قرار حل المجلس النيابي الأخير تم
مرة أخرى بقصد أن تأخذ السلطة التنفيذية دور مجلس الأمّة وتمرير تشريعات
مؤقتة لدفع أجندة التحديث الإشكالية, في غياب توافق مجتمعي حيال شكل الأردن
الجديد.
سن القوانين المؤقتة في غياب مجلس النواب سليم من الناحية الدستورية في
فترة غياب طبيعي عن التشريع, بحسب المادة 94/1 من الدستور, والتي عدّلت عام
1953 لتزيل نصوص أكثر صرامة كانت تحصر وضع القوانين المؤقتة لمواجهة
الطوارئ; الكوارث العامة, حالة الحرب والطوارىء, والحاجة الى نفقات لا
تحتمل التأجيل. فالمادة المعدّلة تنص على: "عندما يكون مجلس الأمّة غير
منعقد أو منحلا, يحق لمجلس الوزراء, بموافقة الملك, وضع قوانين مؤقتة في
الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير, على أن تعرض على
مجلس الأمّة في أول اجتماع يعقده. وللمجلس أن يقر هذه القوانين أو
يعدّلها. أما إذا رفضها, فيجب على مجلس الوزراء, بموافقة الملك, أن يعلن
بطلانها فورا ومن ذلك التاريخ يزول مفعولها على أن لا يؤثر ذلك في العقود
والمكتسبات".
ذلك التعديل بعد عام من اعتماد الدستور أضاف كلمة "منحلا" ليعطي الحكومة
صلاحية إصدار قوانين مؤقتة خلال الفترة الواقعة بين حل المجلس وإجراء
الانتخابات.
حكومة الرفاعي التزمت بإعداد 35 قانونا مؤقتا على الأقل خلال العام الحالي
لدعم خطتّها التنفيذية ذات المحاور السبعة. وهي تقرّر عدد القوانين المؤقتة
التي تريد إصدارها الآن وفق أولوياتها, أو تلك التي يمكن إعدادها
والانتظار لحين عودة مجلس الأمّة لاقرارها. لكن أي قانون مؤقت سيصدر عنها
سيضاف إلى قائمة ما تزال تنتظر إقرار مجلس الأمّة كي تتحول إلى دائمة, بما
فيها 39 قانونا مؤقتا من حقبة حكومة أبو الراغب وعشرات القوانين المؤقتة
التي وضعت منذ نشأة المملكة.
فأدراج مجلس الأمّة تخفي قوانين مؤقتة إشكالية, كالتعديلات التي أدخلت على
قانون الأحوال الشخصية المتعلقة ب"الخلع", وقانون العقوبات في حدود ما
يتعلق ب"جرائم الشرف" وقانون جوازات السفر الدبلوماسية. وهناك أيضا
المتعلقة بالأبنية والمدن والقرى لعام .1962
حكومة الرفاعي ستواجه تساؤلات قد ترحّل من دون إجابات مقنعة, كما حصل مع
أبو الراغب حول ماهية القوانين المؤقتة التي ستخدم الأمن الأردني السياسي
والاقتصادي؟ في ظل تعليق الحياة النيابية وتأجيل الانتخابات, ثمّة خوف
مشروع من قوانين مؤقتة مصلحية لا يؤدي بطلانها مستقبلا إلى المساس بالعقود
التي تبرم وفقا لها أو بالحقوق التي تكتسب بناء عليها. وبذلك ينجح من يريد
أن "يضرب ويهرب" بحثا عن ربح سريع.
لذلك نتوقع من حكومة الرفاعي التروي كثيرا لكي لا تتحول التشريعات المؤقتة
مرّة أخرى إلى وصمة عار على جبين التشريعات الأردنية.
في خلفية المشهد جدل حيال مدى توافر الشروط الدستورية لهذه القوانين
المؤقتة ومدى إساءتها للنظام القانوني للدولة. ما يزيد الطين بلة فشل مجلس
النواب, الذي انتخب عام 2003 في محاسبة حكومة أبو الراغب على ما اتخذته من
قرارات.
هشام التل, رئيس ديوان الرأي والتشريع في رئاسة الوزراء, لا يرى أي شبهات
دستورية حيال ما قد يحمله المستقبل من قوانين مؤقتة. فالقاعدة, برأيه, تقول
إن التشريع وليد الحاجة والتطور, ولا عبث بالتشريع سواء فيما تسمّى
"قوانين عادية" التي تمر عبر القنوات التشريعية, و"مؤقتة" الخاضعة لمراجعة
ورقابة مجلس الأمة لدى انعقاده. فاستمرارية الدولة وحيويتها في حال صدور
قوانين مؤقته أو دائمة, تبقى واحدة, و"الأصل في القانون, إن كان دائما أو
مؤقتا, أن يمثّل الالتزام بالدستور وفلسفة الحكم".
وبما أن مجلس الأمّة قد حل, والانتخابات النيابية مؤجلة لإشعار آخر, فإن
إدارة الدولة في هذا "الوضع الخاص" لا يمكن أن تكون إلا من خلال تشريعات
تلبي الحاجة ومسيرة التحديث, حسبما يرى التل في مقابلة مع كاتبة المقال.
في ضوء ذلك التفسير, ستضم سلة القوانين المؤقتة التي ستصدرها الحكومة قريبا
ما يتعلق بالانتخابات النيابية وتحقيق اللامركزية, توحيد نوافذ ترخيص
الاستثمارات, تطوير قطاع الطاقة لجهة تعظيم مصادر الطاقة البديلة, تحديث
قانون المطبوعات كما حصل قبل أيام ومنع العنف الأسري.
لكن مقابل الرأي الرسمي المدافع عن دستورية حق إصدار قوانين مؤقتة, يخشى
قانونيون وساسة من سوء استخدام "حق تقدير حالة الضرورة" في غياب نصوص
دستورية ضابطة وقيود صارمة.
إلى ذلك تحبذ أصوات متزايدة داخل مجلس الأعيان عدم إصدار قوانين مؤقتة إلا
للضرورة وضمن الحدود الدنيا مع تحديد عددها مسبقا. يقول عين مخضرم فضّل عدم
ذكر اسمه: "نأمل أن تراعي الحكومة الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها حكومة
أبو الراغب".
يستذكر هذا العين وغيره ما سمي وقتها بحقبة "يستغرق سرعة اصدار القوانين
المؤقتة", من دون تفكير وروية. أمثلة التخبط عديدة. في البال قانون
الجامعات الرسمية المؤقت رقم 42 لسنة ,2001 والذي عدّل مرتين خلال عام
ونصف, والمعدل لقانون الشركات رقم 4 لسنة ,2002 والذي عدّل أربع مرّات كان
آخرها في 16/3/.2003 كذلك تعديل قانون العقوبات رقم 54 لسنة ,2001 الذي
عدّل مرتين في أقل من عام. وهناك تسارع التشريعات أو التعديلات على قوانين
أخرى مثل قانون البيّنات وقانون العمل, الاجتماعات العامة, الضريبة,
الاستملاك والبلديات والطرق.
لكسب رأي عام متأرجح بين الشك والحيرة, أبدى الرفاعي ترحيبه برغبة مجلس
الأعيان إعطاء الرأي والمشورة حيال مشاريع القوانين المهمّة من باب
"التشارك والتحاور", وليس من باب الحق الدستوري. فالأعيان لا يستطيع
التشريع في غياب مجلس النواب.
التسرع في إصدار القوانين المؤقتة سيلقي بثقله على مجلس النواب القادم,
سيما أن الدورة العادية لا تتعدى أربعة شهور إضافة لجلسة استثنائية لا تزيد
عن شهرين. فمعدل اصدار السلطة التشريعية للقوانين بحدود 36 قانونا سنويا,
أي ثلاثة قوانين شهريا. وهناك العشرات من القوانين المؤقتة التي لم يتعامل
معها مجلس الأمّة, ما سيضيف حملا آخر على المجلس القادم إلا إذا زيدت مدّة
عقده بين عادي واستثنائي إلى ثمانية أشهر.
ثمة أمل في أن تمارس حكومة الرفاعي ضبط النفس حيال إصدار القوانين المؤقتة
في غياب محكمة دستورية, ذلك أن كل شيء في الأردن بات مكشوفا على طاولة
الرأي العام.
الرئيس الشاب يصر أمام محدّثيه على أنه يعي ضرورة الالتزام بالنظام
القانوني للدولة ودستورها, كما يؤكد أنه "لا يحتمل أو يقبل أن يسجل عليه
انه خالف الدستور".
وعليه ننتظر أفعال تطابق الأقوال.0