عندما تراه للوهلة الأولى تتعاطف معه ومع همومه وأحزانه, ولكن حقيقة لا تملؤه سوى الأحقاد وتسكنه الكوابيس,إنسان كئيب لم يعرف للحياة أي لون أو طعم, هذا النوع من البشر ندخل عالمه فيوحي لنا مثال الإنسان الصالح ,وبعد التعمق والتقرب منه ينفث سمومه فلا مسمى له سوى "شر صامت" شر لم يُعْلن عنه يتقمص دور الطيبة وما يكسوه فعليا "النفاق", يا له من ممثل بارع.
يفخر بكل دمعه أنزلها من محب, أو كلمة جارحة وسواد قلب, ذاك القلب المحشو بالأكاذيب والتزييف, ويبدأ ظهور هذا الشر على وجهه فيصير مقفرا لا يمكن النظر إليه.
أمثال هؤلاء الخونة لا يعرفون معنى جميل للحياة، ولا يرون في الناس إلا ما يرونه في أنفسهم، فضاقت بهم السبل وغاصوا في تلاطم نفوسهم القبيحة، فعاملو الناس بتلك النفوس وبذلك القبح.
من يحملون تلك النفوس ليسوا سوى مرضى نفسيين ولابد من احتجازهم والاحتراز منهم, لكي لا يلوثوا ما تبقى من خيار الناس والأبرياء, فأحقادهم وشرهم لا ينتهي, ولكن يمكننا تجاوز هؤلاء المرضى إذا تعالينا بأخلاقنا عن أحقادهم وشرور أنفسهم...
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم-: "تجدون من شرار الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه" يتخلق بأخلاقهم، ويسير في ركابهم، ويضر الناس في مجتمعهم، ويضرم نار العداوة بينهم, فهو يجمع بين المحرمات يرتكبها عمداً تدفعه إلى ذلك نفسيته المريضة فتحمله على الكذب"وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار",وهم من يتلذذون بعذاب الآخرين ,وينتشون برؤية الهموم ترتسم على وجوههم .وترقص قلوبهم فرحا وطربا لرؤية جراحهم تنزل كشلال متدفق ,هؤلاء عندما نريد أن نصنفهم على قائمة الرجال , في أي المواقع سيكونون ؟ بكل تأكيد لن يكونوا في المقدمة ولا في وسطها , ومن الغبن كذلك أن يكونوا في قاع القائمة, لأنــــه لا يصح ولا يستقيم أن يصنف أمثال هؤلاء على قائمـة الرجال بأي حال من الأحوال .
هؤلاء.. انعدمت فيهم أبسط معانـــي الإنسانية والخُلُق والحياء ., يتباهون وهم يكذبون, وينتشون وهم يطعنون في الآخرين ظلما وعدوانا وحسدا .
نقول لهم الله يقول :ورسوله يقول :والسلف الصالح يقول :فيقولون : ونحن وآباؤنا وأجدادنا نقول , والعادات والتقاليد والموروثات تقول .
صلاتهم صلاة عادة لا عباده, ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ليس لها أي تأثير على سلوكياتهم وبشاعة ممارساتهم, صلاة لم تنههم عن فعل قبيح مذموم.. وستارا يمارسون من خلفه أبشع التصرفات والتجاوزات والظلم والسرقات وارتكاب المحرمات .
هؤلاء.. كل يوم في تكاثر.. وتناسل , ويخرج من أصلابهم جيل يزرع في دقات عيونهم الإصرار للسير على نهج آبائهــــم وأجدادهم, هؤلاء .. مع تمدد الأيام.. وتفشي الباطل , وغربة الدين , سيكونون هم الذين يشار إليهم بالبنان , هم الذين سيحظون بالدخول إلى بلاط ولاة الأمر , ويعلنون التأييد الأعمى لأن ذلك سيكون الركيزة القوية لهم ليحافظوا على موروثاتهــم وما كسبوا, هؤلاء .. سيكون لهم شأن كبير , ستمتلئ جيوبهم , ويزدادون جاها ووجاهة وسمنة وترهلا , وستكثر تجارتهم , وتكبــــــــــر أرصدتهم , وتلمع أسماءهم ويتوهموا أنهم أصبحوا من الأسر العريقة التي ستُخَلّد على مر الأيام .
وبكل أسف, وفي ظل غياب العدل والمساواة, فان أمثال هؤلاء الجهلة الرويبضة, سيوسّد لهم الأمر وعلى أيديهم ستضيع الأمانة, وينتشر الظلم ويسود الجبروت والخوف وتكميم الأفواه, ويغيب في عهدهم الحق والعدل ويزدهر القهر, وتُضاء قناديل الرذيلة, والفجور.
هؤلاء.. هم شرار الناس, ومهما بلغــوا من العلو والارتفاع , سيسقطون من ذلك البرج العاجي العالي الذي وصلوا إليه , سيسقطون إلى القاع , إلى نتنِ هاوية سحيقة مهينه , هاوية الخزي والعار والمذلة جزاء بما بطشوا وتجبروا وظلموا , هؤلاء الزنادقة سيستدرجهم أحكم الحاكمين ولن يفلتهم , وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
هذا النوع من معادن الناس لن نراه في التحاليل أو الأشعة وإنما سنراه بالقلب قبل العين, ويقال معرفة الناس كنوز ولكن للأسف تلك المقولة تفتقر لجوانب واقعية تجعلها غير صحيحة. لأنها لم توضح التفاوت في درجة نقاء الكنز ,فليس كل معدن كنزا,وليس كل ما يلمع ذهبا,وعلى النقيض تماماً تظهر لنا تلك المقولة " البعد عن الناس غنيمة" , فشتان بين العبارتين وان كان الهدف منهما واحد (الكنز والغنيمة )الذي نترقبه دوما ونسعى ونبحث عنه في علاقتنا بالآخرين فأين نجد ذلك الكنز الحقيقي ؟؟؟؟
هل نجده في القرب من الناس ومعرفتهم والاختلاط بهم أم في البعد عنهم وتركهم والانعزال عنهم ؟؟؟
هل نجد المكسب في معرفة صديق جديد قد يكون لنا سندا نجده بجوارنا يوما ما... أم نكتفي بالتقوقع داخل أنفسنا وغلق الأبواب خشية أن يحدث مالا نرجوه.
الخشية أن تختلط علينا جميع الدرجات ويتساوى البريق النقي و المزيف على حد السواء فلا يُرى منه سوى اللمعان الذي يحمل بين طياته الحقيقة والتي لن نستطيع إدراكها ليبقى في النهاية الصراع قائما بين الرغبة والرهبة في حدود التعامل والتواصل بأنواعه مع الآخرين, ويبقى الكنز مفقودا تائها في معادن الناس.
أما الخشية الكبرى أن نغفو ذات يوم ويحيط بنا الرفاق فنستيقظ فلا نجد حولنا سوى الذئاب , فلا نعلم هل أكلت الذئاب رفاقنا أم أن الرفاق تحولوا إلى ذئاب , فهي ليست غيبوبة , إنما تلك هي نفوس البشر التي لا تشبع , ومهما تلونت لا تقنع , في غفلة من أمرها أنها يوم ستركع, وحينها لن تحتمل نفس أي ألم موجع, فالرحمة على من وما فقدنا, وأي الطريق نختار فهو في علم الواحد الجبار , ولن يكون هناك فرق بين من أكله الذئب وهو غافل وبين من تحول ذئبا وهو سافل , وما نرجوه أن لا تقوم الساعة ونحن بين أقوام من شرار الناس رفعت فيما بينهم كلمة "الله" في يوم مشهود وحافل.