بات في حكم المؤكد أن تدخل اليونان إحدى دول الاتحاد الأوروبي, والعضو في النقد الأوروبي الموحد اليورو, في اضطرابات شعبية كبيرة وتصعيديه, ربما تمتد لتصل دولا أخرى أعضاء في الاتحاد؛ في دليل مؤكد على فشل وانهيار الرأسمالية ( السوق المحررة من القيود) واليونان بعد عجزها في التعامل مع الديون الضخمة المترتبة عليها, والتي زادت عن 400 مليار دولار,منها 53 مليار دولار مستحقة الدفع هذا العام, تقف عاجزة برغم الإعلان الذي جاء من ألمانيا وفرنسا الدولتان الأقوى اقتصاديا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, وأعضاء النقد الموحد اليورو؛ عن عزمهما تقديم مساعدات مالية عاجلة لليونان, للمساهمة في التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية الحادة, والتي أدت إلى إضعاف اليورو أمام العملات الأخرى, فعلى الرغم من هذه التصريحات إلا أن هذه المساعدات المشروطة لن تكون كفيلة بإنهاء الأزمة العميقة التي تعيشها اليونان, والتي بدأت تداعياتها بالفعل من خلال التصعيد الشعبي هناك من إضرابات وتظاهرات شعبية مرشحة بقوة للتصعيد والانتشار, وكل ذلك بسبب ما بدأته الحكومة الاشتراكية الحالية من حزمة كبيرة من القرارات الداعية إلى سياسة التقشف من خلال رفع الرسوم وسن المزيد من الضرائب وتجميد للرواتب, والتي زادت من عبء وغضب المواطنين, وأثقلت كاهلهم.
ولكن اليونان ليست إلا أول البركان, والأزمة المالية والاقتصادية, مرشحة لتطال دولا أخرى من دول الاتحاد الأوربي, وبالتالي المزيد من انهيار اقتصاديات دول أخرى سنشهدها قريبا.
وما هذه الأزمات إلا دليل واضح على فشل اقتصاد السوق المحررة من القيود, التي تختزل دور الدولة وسلطتها على القطاع الخاص والمؤسسات الكبرى, كما فشل من قبلها النظام الاشتراكي, فكلاهما النظامين الاشتراكي والرأسمالي قد فشلا بامتياز, لتتجه الأنظار بقصد وغير قصد إلى نظام الاقتصاد الإسلامي الآمن والضامن و المعتدل من كل نظام آخر من بين النظامين البائدين, فقد ذكر الكاتب (أولريش شيفر) في كتابه انهيار الرأسمالية والذي صدر في عام 2008 : \" إن الاقتصاد الذي عرفناه حتى الآن انهار في خريف العام 2008 بكل تأكيد, إن العالم سيتخذ شكلا مختلفا في المستقبل, سيطفو على السطح نظام عالمي جديد بكل تأكيد, سيتبلور اقتصاد سوق جديد, سيتبلور اقتصاد سوق قائم على مبادئ العدالة الاجتماعية, أو دعنا نقل: إن هذا هو الأمل الذي يراودنا.\" نعم يريدون نظاما قائما على مبادئ العدالة الاجتماعية, وأي نظام يراعي العدالة الاجتماعية سوى النظام الإسلامي...!
أما المصيبة الأعظم أن دولنا, أصحاب هذه الشريعة السمحة ونظامها الشامل, والذي فيه كل الحلول لكافة المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية, والمستمد من خالق الكون العالم بحالنا؛ ما زالوا يلهثون وراء السوق المحررة من القيود ( الليبراليون الجدد ) الذين يدعون إلى بيع كل ممتلكات الدولة (القطاع العام) من مؤسسات كبرى وطنية أو صغرى, وأن تكون صلاحيات الدولة ويدها محدودة على هذه الشركات بعد تخصيصها, لتطلق لها العنان لتفعل ما تشاء. أما آن للذين يفكرون بخصخصة كل شيء وتطبيق ما ثبت فشله في الدول الصناعية الكبرى أن يعتبروا..؟؟
على الدول العربية أن تعي تماما ما تريد, على دولنا العودة للقواعد والأسس التي جاءت بها الشريعة والدين, على الدول العربية أن تعي أن الرأسمالية قد سقطت وفشلت في أكبر اقتصاديات العالم والدولة الأولى في الاقتصاد المحرر أمريكا, وقد انتشر هذا الفشل للدول التي تنهج نهجها كما هي أوروبا.
ولنا وفي بلادنا ولمن ينادي صباح مساء في خصخصة مؤسسات البلاد, وتحرر السوق, واختزال دور الدولة وضعفها أمام الشركات المسيطرة؛ وغياب العدالة الاجتماعية, لنا في هذا عبرة يا أولي الألباب, فهل نعتبر من بركان اليونان.