تتخذ الحكومات المتعاقبة موقفا سلبيا من مطلب تأسيس نقابة للمعلمين في الاردن. الحكومة الحالية لم تشذ عن ذلك الموقف, ففي حوار مع برنامج »ستون دقيقة« ابدى وزير التربية والتعليم تحفظه على الفكرة بدعوى الخشية من »تسييس التعليم«.
بعد عودة الحياة البرلمانية الى الاردن مطلع التسعينيات وشيوع اجواء ديمقراطية راهن المعلمون على مرحلة الانفتاح السياسي وجددوا الدعوة لتأسيس نقابة, غير ان المسعى اصطدم برفض الحكومة الشديد. وقبل مرحلة التحول الديمقراطي دفع معلمون سنوات من عمرهم في السجن من اجل النقابة.
الموقف الرسمي المتصلب من فكرة النقابة يعود في الاساس الى تجربة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي, فقد تشكلت اوائل الخمسينيات نقابة للمعلمين استمرت لسنوات ثم صدر قرار رسمي بحلها في اوساط الستينيات وتزامن حلها مع مرحلة التراجع عن الحريات وكانت النقابة في ذلك الحين ميدانا للصراعات الحزبية التي استغلت ذريعة لتصفية النقابة.
تغير الزمن كثيرا ولم يعد المعلمون اليوم كما كانوا في القرن الماضي فقد تبدلت اولوياتهم وتعددت همومهم وشهد قطاع التعليم تحولات عميقة, زادت المدارس وزاد عدد الطلاب ومعهم تضاعفت اعداد المعلمين عشرات المرات, اذ تشير الاحصاءات ان اعدادهم تقارب 150 الفا في القطاعين الحكومي والخاص. وهم بذلك يشكلون مجتمعا متكاملا يحتاج الى اطار مؤسسي يدافع عن مصالحهم ويدير شؤونهم.
وفي الآونة الاخيرة, احيا معلمون من عدة محافظات الدعوة لتأسيس نقابة وحاولوا منذ يومين عقد اجتماع تشاوري في نادي معلمي عمان, غير ان عراقيل ادارية حالت دون ذلك.
اعاقة التحرك المطلبي للمعلمين تعود الى موقف الحكومة المعارض لفكرة النقابة.
محاولات المعلمين طمأنة الحكومة حيال الفكرة بالتأكيد على ان الهدف من انشاء النقابة مهني صرف باءت بالفشل, فالمسؤولون ما زالوا محكومين بالهواجس والمخاوف من وجود اطار مؤسسي لهذا العدد الكبير من الناس والخشية من تحول النقابة الى منبر حزبي.
لقد جرب الاردن وجود النقابات المهنية وهي منذ تأسيسها مسيسة لكن ذلك لم يحل دون ممارسة دورها في الدفاع عن المهنة وحقوق منتسبيها المعيشية وتظهر تجربة نقابة المهندسين على سبيل المثال والتي يقارب عدد منتسبيها المعلمين في الاردن انها لم تشكل يوما خطرا على الامن والاستقرار رغم الطابع الحزبي والسياسي لقياداتها المتعاقبة.
واعتقد ان نقابة المعلمين اذا ما رأت النور يوما ستكون اقرب في نمطها الى بعض النقابات العمالية الكبرى في الاردن التي تكرس نشاطها وعملها في مجال الدفاع عن حقوق الاعضاء مثل نقابة عمال الكهرباء.
في المجتمعات المتقدمة لم يعد هناك قطاع مهني او خدمي من دون نقابة واصبحت الأطر النقابية اكثر فعالية من الاحزاب وتشكل الاداة الرئيسية للتجسير بين الدولة والمجتمع وغيابها يؤشر على اختلال في العلاقة ويخلف نتائج غير صحية.
والعلاقة بين اطراف العملية التعليمية مختلة اليوم لان الشريك الاساسي في معادلة التعليم غائب عن الصورة, ويعاني من ظروف معيشية صعبة وتهميش طال هيبته ومكانته.
ستدخل حكومة الرفاعي التاريخ اذا ما تجاوزت الموقف التقليدي الرافض لفكرة وجود نقابة للمعلمين وانفتحت على حوار حولها مع هيئة المؤسسين بعيدا عن المخاوف والمحاذير التي تشدنا الى الخلف بينما نحن بحاجة للهرولة الى الامام للّحاق بركب التقدم.0