لا أحد يعلم أو يملك تفاصيل أو أرقاما حول حجم الفساد في الأردن، وقد تكون الأفكار التي تعشش في رؤوس الكثيرين مبالغا فيها، إلا أن هذه الحالة تكونت لأسباب كثيرة، أهمها كثرة الشعارات التي رفعتها حكومات متلاحقة من دون اتخاذ أي إجراءات حقيقية على أرض الواقع للحد من الفساد.
وفعلا مضت سنوات طويلة من دون أن نشهد قضية تهدف إلى محاربة هذه الظاهرة الهدامة، لدرجة جعلت الشعور بحجم هذه الظاهرة يتفوق على حجمها الحقيقي.
وزاد من سوء الحالة كثرة الحديث عن الفساد والمفسدين وسط تراجع الظروف المعيشية وتزايد أعداد الفقراء والمحرومين.
وخلال السنوات الماضية تقلص الإنجاز في مجال محاربة الفساد، ليصبح مجرد كلام يصلح لمانشيتات الصحف والحملات الإعلانية للمرشحين لخوض الانتخابات.
الخطوة الحكومية بخصوص مصفاة البترول وجهت ضربة موجعة للفاسدين أو حتى من تتوفر لديهم النية لممارسة الفساد، وبعثت برسائل قوية حول الجدية في الخوض بهذا الموضوع من دون أي وجل.
بيد أن تحقيق نتائج في هذا المجال يتطلب مأسسة هذه المسألة بحيث لا ترتبط بشخص رئيس الوزراء وحده، لتتجاوز ذلك من خلال توفير مؤسسة فاعلة لمحاربة هذه الآفة التي تزعزع الأمان الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، بخاصة أن آثارها مدمرة على عملية التنمية الشاملة التي ينشدها المجتمع ويتطلع إليها كسبيل للتخلص من مشاكله على اختلاف أشكالها ومستوياتها.
وقضية المصفاة وحدها لا تكفي لإزالة ما رسخ في أدمغة الناس حول مدى انتشار هذه المشكلة، فالملفات التي يتداولها المجتمع كثيرة ومختلفة، وقد لا يكون الحديث الذي يجري حولها صحيحا، إلا أن تأكيد تلك الحكايات أو نفيها يحتاج إلى إجراءات وتحقيقات تتقصى حقيقة ما يتداوله الناس .
فالحديث حول ممارسات الفساد يبدأ ولا ينتهي، ويتطرق الحديث إلى فساد كبير وآخر صغير وكلاهما أخطر من بعضهما، فالمبلغ الصغير الذي يحصل عليه الموظف في الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي لا يقل خطورة عن تلك الملايين التي يدفعها الفاسدون الكبار على بنية المجتمع ومتانته في مواجهة التحديات القادمة بمختلف صنوفها، إذ إن التصدي لأية مشكلة يتطلب مجتمعا لا تنخر في جسده مشاكل من هذا القبيل.
الجميع مع محاربة الفساد، باستثناء الفاسدين، وأمام هذه المشكلة ينقسم المجتمع إلى صفين واحد فاسد وآخر متضرر منه، ومن هذه الفكرة سنجد مؤيدين ومباركين لخطوات الحكومة في هذا المجال ليس من بينهم بالتأكيد المتضررون من إصلاح ومعالجة الخلل القائم.
عطاءات توليد الكهرباء قد تكون أحد الملفات التي تستحق التوقف عندها، ومراجعتها، والجميع يتذكر كيف وافقت الحكومة على عرض تقدمت به شركة أجنبية لتنفيذ أحد مشاريع التوليد، رغم أن شركة أخرى تقدمت بعرض مالي يقل عن العرض المقبول بثلاثين مليون دينار.
خطوة الحكومة في فتح ملف المصفاة تتضاعف أهميتها وبخاصة أن الأردن مقبل على تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في قطاعات مختلفة، ففي قلب قرار تحويل ملف المصفاة إلى قضية أمن اقتصادي رسالة قوية موجهة لكل من تسول له نفسه استخدام الطرق الملتوية في تنفيذ أي من هذه المشاريع ورسالة لمجتمع المستثمرين المحليين والعالميين بأن ثمة محاربة حقيقية للفساد تحفظ أموالهم.