على الرغم من محدودية المشاركين والحضور في ندوة المركز الثقافي الملكي “الدراما التلفزيونية الأردنية" بالأمس، إلاّ أنّ الوجوه معروفة، ولها سطوتها البصرية. فقد كانت في يوم من الأيام تملأ الشاشات العربية، وتتمتع بشعبية كبيرة!
ملف الدراما الأردنية ليس مطروحاً على طاولة الرئيس، بلا شك. وسيرى البعض أنّه من العبث طرحه، الآن، على صفة الاستعجال أمام الرئيس وأركان الحكومة، فهو مشغول بالأزمة المالية والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة!
العقلية التي تدار فيها الأمور (هنا) محكومة بمنطق الفزعة وانتظار وقوع الكوارث. أمّا التخصص والتخطيط والتفكير المستقبلي، فالمسافة التي تفصلنا عن تلك المفاهيم شاسعة جداً، وتزداد مع مرور الوقت.
لذلك؛ كلّما فتحنا ملفاً من الملفات الرئيسة في حياتنا العامة نصاب بخيبة الأمل والإحباط، ونشعر بفقدان البوصلة وبالتخبط، سواء كان التعليم أو التعليم العالي أو الصحة أو الرياضة أو حتى الدراما والمسرح والمسرح المدرسي، فنتحسّر على أيام ذهبية.
في ندوة الأمس، تحسّر “الجيل الذهبي" من الفنّانين الأردنيين (الذي تنبأ الزميل الكبير طارق مصاروه بانقراضه، لعدم وجود وريث!) على أيام كان المسؤول والسياسي يدرك تماماً أهمية الفن والدراما والأغنية والإعلام، على قلّة الإمكانات وصعوبة التنافس. حين كان هنالك رجال دولة من وزن وصفي التل يشرفون بأنفسهم على رعاية الأغنية الوطنية والمسلسل المحلي والبرنامج والرسالة الإعلامية.
رحلة الدراما الأردنية نحو التراجع طويلة. وما يزال التعامل الرسمي مع الفنان الأردني في سياق الشفقة والمطالب الإنسانية، من دون ووجود إدراك حقيقي لأهمية الفن اليوم ودوره في بناء قوة الدولة الناعمة وصورتها لدى الرأي العام المحلي والخارجي، كما هي الحال في الدراما الأميركية والتركية والسورية والمصرية.
هل نتذكّر كيف قامت قائمة المسؤولين والجميع (هنا) على مسلسل الملك فاروق والإجحاف بحق الأردن؟ لكن من فكّر بخطورة الجريمة التي نرتكبها بحق الوطن وصورته وسمعته، ونحن نتجاهل الدور المهم الذي يمكن أن يؤديه الفن الأردني في عالم بات محكوماً بالرسالة الفضائية والإعلامية والتنافس، ولدينا خبرةً وموارد بشرية وفنية كفيلة بالنهوض لو توافرت الإرادة والفكرة.
وإذا كان التلفزيون الرسمي والمسؤولون قد رفعوا أيديهم لعدم القدرة على توفير الموارد اللازمة، مع أنّ الاستثمار في الفن مُجدٍ وممكن. فإنّ المطلوب ألا يضعوا العوائق في وجه القطاع الأردني الخاص، وقد استطاع المركز العربي أن يعيد الفنّان الأردني إلى المشهد الإعلامي محلياً وعربياً، قبل أن يتورّط في ملف الـatv، فيستنزف فيه ويقع تحت مطارق أزمة مراكز القوى!
التخبّط الرسمي لم يقف عند حدود الفشل في بناء إعلام وفن أردني محترف، بل والتراجع حتى عمّا حققناه تاريخياً،. فهنالك اليوم تحطيم حتى لما يمكن أن ينجزه القطاع الخاص في هذا المجال! ليعود الفنّان الأردني، مرّة أخرى، إلى أحضان البطالة والعوز، ويمضي ملف الفنّ إلى التجميد والإهمال، مع سبق الإصرار والترصّد، ونعود إلى المربع الأول الذي بتنا نعشق الدوران فيه، في أغلب شؤوننا العامة!