لدينا حالة اجماع وطني على حاجة التلفزيون الأردني لإستراتيجية جديدة تساعد في إخراجه من حالة السكون و التقليدية التي تكبله ، كما تخرجنا نحن من حالة التذمر التاريخية التي تحكم تعاطينا معه ،ومن أبرز أسبابها شعورنا بعدم اعتنائه بمعالجة القضايا الوطنية ،ولجوئه إلى الهروب من مواجهة القضايا الجدلية ، فقد اعتاد الناس عند اشتعال القضايا والأحداث على المستويين الوطني والعربيان لا يجدوا على الشاشة الأردنية سوى برنامج وثائقي، أو مسلسل بدوي قديم .
يشعر الأردنيون بغصة كبيرة عندما يجدوا المحطات التلفزيونية الأخرى تعنى بقضاياهم الوطنية أكثر من اعتناء تلفزيونهم الوطني بها . وتكبر غصتهم وهم يلمسون حجم التجني والتحامل في التعاطي مع الشؤون الأردنية على الشاشات العربية . ويتضاعف شعورهم بخيبة الأمل وقلة الحيلة عند غياب الاعلام الوطني ، ليتركهم نهبا لما يقدمه الآخرون بغض النظر عن سلامة النوايا وصحة المعلومة ودرجة التوظيف السياسي الخارجي لها . وكلما لمس الأردنيون تجنيا على دولتهم وتاريخهم ومواقفهم من قبل الاعلام الخارجي تساءلوا، وحق لهم ذلك ؛ أين إعلامنا ؟وما هو دوره ؟وما هو رده؟
وكلما مر الأردنيون بمرحلة تحولات وأحداث وطنية هامة كالتي نعيش زاد توقهم لدور غير تقليدي لوسائل الاعلام الوطنية كلها ،وكبر أملهم برؤية الاعلام الأردني متخلصا من التوصيف الذي اطلقه عليه كبار المسؤولين بأنه اعلام "مرعوب " . وهذا ،كله، لا ينفي وجود عدد من البرامج الحوارية الجماهيرية على الشاشة الأردنية ،لكنها غالبا ما تعاني من ارتهانها لنمطية الموضوعات ،وحصرية المشاركين،أي الحرص على استضافة الوجوه ذاتها للتحدث في المواضيع كلها على تنوعها . وفي هذه السياقات نلمس محاولة جادة في التلفزيون بإدارته الجديدة ،لإعادة تشكيل الصورة العامة .وأعتقد أن تحول برنامج "آفاق إسلامية" الذي يصنف من البرامج الدينية أو النخبوية إلى برنامج حواري جماهيري يضج بالحيوية والتجديد ، يعد مؤشرا على قدرة التلفزيون على ممارسة دوره التنويري ،والخروج على التقليدية في الموضوعات والوجوه . ومن الواضح أن هذا البرنامج يراكم نجاحاته عبر اهتمامه بمناقشة القضايا الفكرية والحياتية المعاصرة ، ودأبه على تقديم مقاربات فكرية مستنيرة في جملة مسائل اجتماعية واقتصادية وسياسيه من منظور إسلامي ، وتمكنه من استضافة نخبة من المفكرين والدعاة والمثقفين الأردنيين والعرب والمسلمين . وفي ظل تحولات اللحظة الراهنة وتحدياتها وطنيا وعربيا واكب البرنامج قضايا الساعة ببعدها الاسلامي ،وخصص ثلاث حلقات متتابعة وناجحة لمناقشة مواقف الحركات الاسلامية من الربيع العربي ،مركزا على الحالة الأردنية ، ومهتما بمناقشة موقف الحركة الاسلامية من مجمل العملية الاصلاحية الجارية في الأردن ،عبر استضافة عدد من رموز القيادات الاسلامية ، ليحاورهم عدد من المحللين والإعلاميين والباحثين . والملفت أن جل الضيوف كانوا ممن تتاح لهم الفرصة الأولى للتعبير عن وجهة نظرهم عبر الشاة الأردنية . نحن أمام حالة تستحق الاشادة بها والتنويه بأهميتها والتطلع لديمومتها وتعميمها ترسيخا لنهج جديد و ثابت للتلفزيون الأردني ،بما يمكنه من ممارسة الدور المأمول منه في هذه اللحظة الوطنية الفارقة ،التي يأمل فيها المشاهد الأردني أن يجد على شاشته الوطنية ما يغنيه ويثريه ويحترم عقله ،وصولا إلى تعزيز روح الحوار الوطني الايجابي المسؤول والبناء.